زينب رشيد
اذا كنت شيعيا عليك أن لا تشتكي من الظلم والاضطهاد والتمييز والعنصرية والغلاء والفقر والجوع، فالشكوى من كل تلك الأمور هي من حقوق الآخر، والآخر هنا سنيا أو من المحسوبين عليه، واذا كنت شيعيا لا ينبغي لك أن تشتكي من الديكتاتورية والاستبداد وغياب حرية الرأي والتعبير والفساد التي تمارسه عائلات الحكم المافيوية في غير مكان من بلدان منطقة الشرق الأوسط، واذا كنت شيعيا عليك أن تصمت، فالصمت صبر والصبر عبادة وممارسة هذه العبادة ربما تمنحك دار في جنة الله بعد أن سيطر الوارثون باسمه على أرضه.
لم أكن أود أن أتناول ما يحدث في مملكة البحرين من هذا الجانب، ولكن ما يحدث وتداعياته وردود الأفعال العربية شعبيا ورسميا عليه، وكيفية تعامل وسائل الاعلام العربية مع تلك الثورة وأهلها وضحاياها ومطالبها، لم يترك لي مجالا إلا بالدخول من هذا الجانب.
في هذا المقام لا بد أن أذكًر القراء بأحداث الانتفاضة الشعبانية العراقية التي هبت بعيد حرب تحرير الكويت، بهدف الخلاص من طاغية العراق الأكبر البائد صدام حسين، وكمية المجازر التي ارتكبها الطاغية حينذاك بأغلبية أبناء العراق من الطائفة الشيعية، وتم اخماد تلك الانتفاضة بمساعدة عوامل اقليمية عربية وبضوء أخضر دولي غربي، وليت الشارع العربي اكتفى حينها بالصمت لكان عاره أهون، وانما طالب بمزيد من المجازر ضد "الروافض" و "عملاء ايران" وغيرها من المصطلحات العنصرية التي وجهها العرب السنة ضد ما يُفترض انهم اخوتهم في الانسانية والقومية على الأقل.
واستكمالا لهذا الموقف فقد رأينا أيضا كيف تعامل الشارع العربي الرسمي والشعبي ومنابره الاعلامية مع عملية تحرير العراق والخلاص من الطاغية صدام، وعودة العراق الى أبناءه والحكم الى أغلبيته الشيعية، فالذي لم "تشرفه" ظروفه بالعبور الى العراق من سوريا وتفجير نفسه في تجمعات الشيعة الابرياء وأماكن عبادتهم، فانه عمل ما بوسعه من خلال الاعلام او من خلال مسيرات ومظاهرات سارت في اكثر من بلد عربي وتم توجيه كل الاتهامات الشنيعة لشيعة العراق، ومن لم يستطع ذاك وهذا فانه احتفظ في قلبه بحقد وغل لا يتورع من اظهاره وهو يقوم بذلك بواجب أضعف الايمان.
لم تُقنع كل المقابر الجماعية التي تم اكتشافها ومازال يكتشفها أهل العراق حتى هذه الايام إلا القلة النادرة من العرب السنة في تغيير موقفهم وتهذيبه و أنسنته بعد أن "تطأف" دهرا، بينما الغالبية لا تخجل أن تصرح بملأ افواهها بأن هذا جزاء "الخونة الرافضة عملاء الفرس والمجوس". عندما يصدمني هذا الواقع الفج بلا انسانيته ولا أخلاقيته فانه لا يترك لي إلا أن أتناول كيفية التعامل مع ثورة اهل البحرين البواسل إلا بذات الطريقة التي تريد لها العائلة الحاكمة البحرينية ومن يناصرها خليجيا وعربيا وحتى امريكيا أن يجهضوها.
حتى بعد كل عمليات التجنيس الطائفية التي أقدم عليها نظام الحكم في البحرين، فان الشيعة ما زالوا أغلبية عظمى في البحرين كما هم في العراق، وبأبسط الحسابات الديمقراطية يحق للأغلبية ومن يمثلها أن تكون لدولتها علاقات مميزة ليس مع ايران وحسب وانما مع الشيطان ان أرادت، دون أن تفرض أقلية محلية ومن يساندها اقليميا وصايتها عليها أو املاء نوع العلاقات الدولية التي تريدها. من يقترب من شيعة العراق يدرك ان لهم اسباب تتعلق بدور المرجعية وأحقية النجف بها تجعلهم أبعد من ايران الشيعية أكثر بكثير من العرب السنة.
الحقيقة على الارض في البحرين ان أغلبية مطلقة من الشعب تثور هذه الايام على النظام الملكي المافيوي، وهذه الأغلبية تشتمل اضافة الى كل الشيعة تقريبا على جزء هام من السنة، فكلهم في الهم من ظلم آل خليفة سواء، بينما يقف جزءا بسيطا من السنة الى جانب الديكتاتور مع حثالات المرتزقة المجنسين، الذين لا يتورعون عن استعمال اقصى درجات القمع والعنف وصولا الى قتل المواطنين أصحاب البلد الأصليين بدم بارد.
والحقيقة ايضا ان هناك دعما خليجيا ماديا وواضحا وصريحا وخصوصا من مملكة آل سعود التي بات يخشى حكامها الفاسدون على عروشهم بعد أن اشتعلت ثورة الشعوب على حدودها كافة من جميع الاتجاهات، ففي الغرب ثورة الشعب المصري المتوجة، وفي الجنوب ثورة الشعب اليمني التي باتت أقرب الى التتويج، وفي الشمال بوادر ثورة شعبية أردنية، وهاهي ثورة شعب البحرين التي لن تكون نتائجها بالتأكيد أقل من نتائج مثيلاتها في تونس ومصر.
وأم الحقائق ان هناك تجاهلا اعلاميا عربيا رهيبا يصل الى مستوى جريمة تقترف في وضح النهار في ظل وجود رسمي مصرح به لقنوات اشتهرت بتأييدها المعلن للثورة في تونس ومصر رغم ان هذا يُضعف من مهنيتها وموضوعيتها المفقودة أصلا، وكأن لا حق للشيعة بأن يثوروا على حكامهم الفاسدين المجرمين.
كانت مطالب أهل البحرين سابقا وقبل هبوب رياح التغيير الشعبي في المنطقة تقتصر على منحهم بعض الحقوق المادية مع هامش انساني من حرية الرأي والتعبير، أما اليوم وبعد ما حصل في تونس ومصر وما يحصل في اليمن وليبيا، وما متوقع له أن يحصل في الجزائر والمغرب وسوريا وايران، فانهم لن يقبلوا بأقل مما حققته ثورتي مصر وتونس أي رحيل النظام وانجاز نظام حكم يتوافق عليه شعب البحرين في ظل دولة لكافة مواطنيها، وليس لجزء فقط أغلبه من المجنسين.
دفاعنا عن حق الشعوب المطلق بالثورة السلمية على طغاتها وجلاديها بهدف الخلاص منهم لا يجب أن يخضع لحسابات دينية أو طائفية أو مذهبية أو قومية مريضة، وانما يجب أن يكون أساسه حق الانسان المقدس بالعيش بحرية وكرامة ومساواة في بلد لا يعلو فيه إلا القانون ولا تُنهب خيراته من قبل عصابة أو عائلة يساندها منتفع أو مرتزق.
الى اللقاء
كاتبة فلسطينية
الأحد فبراير 27, 2011 2:50 am من طرف ????