صعصعة بن صوحان سيد من سادات العرب ، وعظيم من أقطاب الفضل والحسب . أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكنه لم يلقه لصغره ، وأشكلت على عمر أيام خلافته قضية فخطب الناس وسألهم عما يقولون - فقام صعصعة ، وهو غلام شاب ، فأماط الحجاب ، وأوضح منهاج الصواب - ، وعملوا برأيه - ، وكان من أصحاب الخطط في الكوفة ، وشهد مع أمير المؤمنين " الجمل " و " صفين " . قال في الإصابة ( 3 ) " ان المغيرة نفى صعصعة بأمر معاوية من الكوفة إلى الجزيرة أو إلى البحرين ، وقيل إلى جزيرة ابن كافان فمات بها " و " حبس ( 1 ) معاوية صعصعة بن صوحان العبدي وعبد الله بن الكواء اليشكري ورجالا من أصحاب علي مع رجال من قريش ، فدخل عليهم معاوية يوما فقال : نشدتكم بالله الا ما قلتم حقا وصدقا ، أي الخلفاء رأيتموني ؟ فقال ابن الكواء : لولا انك عزمت علينا ما قلنا ، لأنك جبار عنيد ، لا تراقب الله في قتل الأخيار ، ولكنا نقول : انك ما علمنا واسع الدنيا ضيق الآخرة ، قريب الثرى بعيد المرعى ، تجعل الظلمات نورا والنور ظلمات ، فقال معاوية : ان الله أكرم هذا الامر بأهل الشام الذابين عن بيضته ، التاركين لمحارمه ، ولم يكونوا كأمثال أهل العراق المنتهكين لمحارم الله ، والمحلين ما حرم الله ، والمحرمين ما أحل الله . فقال عبد الله ابن الكواء : يا ابن أبي سفيان ان لكل كلام جوابا ، ونحن نخاف جبروتك ، فان كنت تطلق ألسنتنا ذببنا عن أهل العراق بألسنة حداد لا يأخذها في الله لومة لائم ، والا فانا صابرون حتى يحكم الله ويضعنا على فرحه . قال : والله لا يطلق لك لسان - ثم تكلم صعصعة فقال : تكلمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت ولم تقصر عما أردت ، وليس الامر على ما ذكرت ، أنى يكون الخليفة من ملك الناس قهرا ، ودانهم كبرا ، واستولى بأسباب الباطل كذبا ومكرا ، أما والله مالك في يوم بدر مضرب ولا مرمى ، وما كنت فيه الا كما قال القائل : لا حلى ولا سيرى ، ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير ممن أجلب على رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم . وانما أنت طليق ابن طليق ، أطلقكما رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم . فأنى تصلح الخلافة لطليق ؟ . فقال معاوية : لولا أني ارجع إلى قول أبي طالب حيث يقول : قابلت جهلهمو حلما ومغفرة * * * والعفو عن قدرة ضرب من الكرم لقتلتكم ، وسأله معاوية : من البررة ومن الفسقة ؟ فقال : يا ابن أبي سفيان ترك الخداع من كشف القناع ، علي وأصحابه من الأئمة الأبرار ، وأنت وأصحابك من أولئك . وسأله عن أهل الشام فقال : أطوع الناس › لمخلوق ، وأعصاهم للخالق ، عصاة الجبار ، وخلفة الأشرار ، فعليهم الدمار ، ولهم سوء الدار . فقال معاوية : والله يا ابن صوحان انك لحامل مديتك منذ أزمان ، الا أن حلم ابن أبي سفيان يرد عنك . فقال صعصعة : بل أمر الله وقدرته ، ان امر الله كان قدرا مقدورا " . قال المسعودي : " ولصعصعة بن صوحان أخبار حسان وكلام في نهاية البلاغة والفصاحة والايضاح عن المعاني على ايجاز واختصار " . وكان صعصعة شخصية بارزة في أصحاب أمير المؤمنين . ووصفه أمير المؤمنين بالخطيب الشحشح ، ثم وصفه الجاحظ بأنه من أفصح الناس . وقال له معاوية يوم دخل الكوفة بعد الصلح : " أما والله اني كنت لأبغض ان تدخل في أماني " . قال : " وأنا والله أبغض أن أسميك بهذا الاسم " . ثم سلم عليه بالخلافة فقال معاوية : " ان كنت صادقا فاصعد المنبر والعن عليا " . فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال : " أيها الناس أتيتكم من عند رجل قدم شره ، وأخر خيره . وانه أمرني ان العن عليا فالعنوه لعنه الله " . فضج أهل المسجد بآمين . فلما رجع اليه فأخبره بما قال . قال : " لا والله ما عنيت غيري ، ارجع حتى تسميه باسمه " . فرجع وصعد المنبر ثم قال : " أيها الناس ان أمير المؤمنين أمرني أن العن علي بن أبي طالب فالعنوه " . فضجوا بآمين . فلما أخبر معاوية قال : " والله ما عني غيري ، أخرجوه لا يساكنني في بلد " . فأخرجوه ( 1 ) . وقال ابن عبد ربه : " دخل صعصعة بن صوحان على معاوية ومعه عمرو بن العاص جالس على سريره فقال : وسع له على ترابية ( 2 ) فيه . فقال صعصعة : اني والله لترابي ، منه خلقت واليه أعود ومنه ابعث ، وانك مارج من مارج من نار " . وقدم وفد العراقيين على معاوية ، فقدم في وفد الكوفة عدي بن حاتم ، وفي وفد البصرة الأحنف بن قيس وصعصعة بن صوحان . فقال عمرو بن ‹ صفحة 360 › العاص لمعاوية : " هؤلاء رجال الدنيا ، وهم شيعة علي الذين قاتلوا معه يوم الجمل ويوم صفين فكن منهم على حذر " . وفي أحاديث سيد عبد القيس صعصعة بن صوحان سعة لا يلم بها ما نقصده من الايجاز . وانما أردنا ان نعطي بهذا صفحة من تاريخه مع معاوية وموقف معاوية منه .