فيما جرى على الزهراء ومنعها فدك
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص
247
فيما جرى على فاطمة عليها السلام من الاذى والظلم ومنعها من فدك
ومن الطرائف العجيبة ما تجددت على فاطمة عليها السلام بنت محمد " ص " نبيهم من الاذى والظلم وكسر حرمتها وحرمة أبيها والاستخفاف بتعظيمه لها وتزكيتها ، كما تقدمت رواياتهم عنه في حقها من الشهادة بطهارتها وجلالتها وشرفها سائر النسوان وأنها سيده نساء أهل الجنة .
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص
248
فذكر أصحاب التواريخ في ذلك رسالة طويلة تتضمن صورة الحال أمر المأمون الخليفة العباسي بانشائها وقراءتها في موسم الحج . وقد ذكرها صاحب التاريخ المعروف بالعباسي وأشار الروحي الفقيه صاحب التاريخ الى ذلك في حوادث سنة ثمانى
عشرة ومائتين جملتها ، ان جماعة من ولد الحسن والحسين عليهما السلام رفعوا قصة الى المأمون الخليفة العباسي من بنى العباس يذكرون أن فدك والعوالي كانت لامهم فاطمة بنت محمد " ص " نبيهم ، وان ابا بكر أخرج يدها عنها بغير حق ،
وسالوا المأمون انصافهم وكشف ظلامتهم ، فاحضر المأمون مائتي رجل من علماء الحجاز والعراق وغيرهم وهو يؤكد عليهم في أداء الامالة واتباع الصدق ، وعرفهم ما ذكره ورثة فاطمة في قضيتهم وسالهم عما عندهم من الحديث الصحيح في ذلك .
فروى غير واحد منهم عن بشير بن الوليد والواقدي وبشر بن عتاب في أحاديث يرفعونها الى محمد " ص " نبيهم لما فتح خيبر اصطفى لنفسه قرى من قرى اليهود ، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام بهذه الاية " وآت ذا القربى حقه " فقال محمد "
ص " : ومن ذو القربى وما حقة ؟ قال : فاطمة عليها السلام تدفع إليها فدك ، فدفع إليها فدك ثم أعطاها العوالي بعد ذلك ، فاستغلتها حتى توفى أبوها محمد " ص " فلما بويع أبو بكر منعها أبو بكر منها ، فكلمته فاطمة عليها السلام في رد فدك
والعوالى عليها وقالت له : انها لى وان أبى دفعها إلى . فقال أبو بكر : ولا أمنعك ما دفع اليك ابوك . فاراد ان يكتب لها كتابا فاستوقفه عمر بن الخطاب وقال : انها امراة فادعها بالبينة على ما ادعت ، فامر أبو بكر أن تفعل ، فجاءت بام أيمن وأسماء
بنت عميس مع علي بن أبى طالب عليه السلام فشهدوا لها جميعا بذلك ، فكتب لها أبو بكر ، فبلغ ذلك فاتاه فاخبره أبو بكر الخبر ، فاخذ الصحيفة فمحاها فقال : ان فاطمة امراة وعلي بن أبى طالب زوجها وهو جار الى نفسه ولا يكون
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص
249
بشهادة امراتين دون رجل . فارسل أبو بكر الى فاطمة عليها السلام فاعلمها بذلك ، فحلفت بالله الذي لا اله الا هو انهم ما شهدوا الا بالحق . فقال أبو بكر : فلعل ان تكوني صادقة ولكن احضري شاهدا لا يجر الى نفسه .
فقالت فاطمة : ألم تسمعا من أبى رسول الله " ص " يقول : أسماء بنت عميس وأم أيمن من أهل الجنة ؟ فقالا : بلى . فقالت : امراتان من الجنة تشهدان بباطل ! فانصرفت صارخة تنادي أباها وتقول : قد أخبرني أبى باني أول من يلحق به ، فو الله
لاشكونهما ، فلم تلبث أن مرضت فاوصت عليا أن لا يصليا عليها وهجرتهما فلم تكلمهما حتى ماتت ، فدفنها علي عليه السلام والعباس ليلا .
فدفع المأمون الجماعة عن مجلسه اليوم ، ثم أحضر في اليوم الاخر ألف رجل من أهل الفقه والعلم وشرح لهم الحال و
أمرهم بتقوى الله ومراقبته ، فتناظروا واستظهروا ثم افترقوا فرقتين ، فقالت طائفة منهم : الزوج عندنا جار الى نفسه فلا
شهادة له ولكنا نرى يمين فاطمة قد أوجبت لها ما ادعت مع شهادة الامرأتين ، وقالت طائفة : نرى اليمين مع الشهادة لا توجب حكما ولكن شهادة الزوج عندنا جائزة ولا نراه جارا الى نفسه ، فقد وجب بشهادته مع شهادة الامرأتين لفاطمة عليها
السلام ما ادعت ، فكان اختلاف الطائفتين اجماعا منهما على استحقاق فاطمة عليها السلام فدك والعوالي .
فسألهم المأمون بعد ذلك عن فضائل لعلى بن أبى طالب عليه السلام ، فذكروا منها طرفا جليلة قد تضمنه رسالة المأمون ، وسالهم عن فاطمة عليها السلام فرووا لها عن أبيها فضائل جميلة ، وسالهم عن ام أيمن وأسماء بنت عميس فرووا عن نبيهم
محمد " ص " انهما من أهل الجنة ، فقال المأمون : أيجوز أن يقال أو يعتقد أن علي بن أبي طالب مع ورعه وزهده يشهد لفاطمة بغير حق ؟ وقد
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص
250
شهد الله تعالى ورسوله بهذه الفضائل له ، أو يجوز مع علمه وفضله ان يقال انه يمشي في شهادة وهو يجهل الحكم فيها ؟ وهل يجوز أن يقال ان فاطمة مع طهارتها وعصمتها وانها سيدة نساء العالمين وسيده نساء أهل الجنة كما رويتم تطلب شيئا
ليس لها تظلم فيه جميع المسلمين وتقسم عليه بالله الذي لا اله الا هو ؟ أو يجوز أن يقال عن أم ايمن وأسماء بنت عميس انهما شهدتا بالزور وهما من أهل الجنة ؟ ان الطعن على فاطمة وشهودها طعن على كتاب الله والحاد في دين الله ، حاشا الله ان يكون ذلك كذلك .
ثم عارضهم المأمون بحديث رووه أن علي بن ابى طالب عليه السلام أقام مناديا بعد وفاة محمد " ص " نبيهم ينادي : من كان له على رسول الله " ص " دين أو عدة فليحضر ، فحضر جماعة فاعطاهم على بن ابي طالب عليه السلام ما ذكروه بغير
بينة ، وان أبا بكر أمر مناديا ينادي بمثل ذلك فحضر جرير بن عبد الله وادعى على نبيهم عدة فاعطاها أبو بكر بغير بينة ، وحضر جابر بن عبد الله وذكر أن نبيهم وعده أن يحثو له ثلاث حثوات من مال البحرين ، فلما قدم مال البحرين بعد وفاة
نبيهم اعطاه أبو بكر الثلاث الحثوات بدعواه بغير بينة .
( قال عبد المحمود ) : وقد ذكر الحميدي هذا الحديث في الجمع بين الصحيحين في الحديث التاسع من أفراد مسلم من مسند جابر وان جابرا قال : فعددتها فإذا هي خمسمائة فقال أبو بكر خذ مثليها ( 1 ) .
قال رواة رسالة المأمون : فتعجب المأمون من ذلك وقال : أما كانت فاطمة وشهودها يجرون مجرى جرير بن عبد الله وجابر بن عبد الله ، ثم تقدم بسطر الرسالة المشار إليها وأمر أن تقرا بالموسم على رؤوس الاشهاد ، وجعل فدك والعوالي في يد محمد بن يحيى بن الحسين بن على بن الحسن بن على بن ابى
* ( هامش ) *
( 1 ) مسلم في صحيحه : 4 / 1807 . ( * )
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص
251
طالب عليه السلام يعمرها ويستغلها ويقسم دخلها بين ورثة فاطمة بنت محمد " ص " نبيهم .
ومن طرائف صحيح الاجوبة في ترك علي بن ابى طالب عليه السلام لاستعادة فدك لما بويع له بالخلافة .
349 - ما ذكره ابن بابويه في أوائل كتاب العلل في باب العلة التى من أجلها ترك أمير المؤمنين " ع " فدك ولى الناس باسناده الى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام يعنى جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام قال : قلت له لم لم ياخذ أمير
المؤمنين عليه السلام فدك لما ولى الناس ولاي علة تركها ؟ فقال : لان الظالم والمظلومة قد كانا قدما على الله عز وجل ، واثاب الله المظلومة وعاقب الظالم ، فكره أن يسترجع شيئا قد عاقب الله عليه غاصبه وأثاب عليه المغصوبة .
وذكر أيضا في الباب المذكور جوابا آخر ، ورواه باسناده الى ابراهيم الكرخي قال : سالت أبا عبد الله عليه السلام فقلت له : لاي علة ترك أمير المؤمنين فدك لما ولي الناس فقال : للاقتداء برسول الله " ص " لما فتح مكة وقد باع عقيل أبى طالب
داره ، فقيل له : يا رسول الله ألا ترجع الى دارك ؟ فقال " ص " وهل ترك عقيل لنا دارا ، انا أهل بيت لا نسترجع شيئا يؤخذ منا ظلما ، فلذلك لم يسترجع فدك لما ولى . وذكر أيضا في الباب المذكور جوابا ثالثا باسناده الى علي بن فضال عن
أبيه عن أبى الحسن يعنى موسى بن الكاظم عليهما السلام قال : سألته عن أمير المؤمنين لم لم يسترجع فدك لما ولي الناس ؟ فقال : لانا أهل بيت لا ناخذ حقوقنا ممن ظلمنا الا هو ( يعني الا الله ) ونحن اولياء قوله المؤمنين انما نحكم لهم
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص
252
وناخذ حقوقهم ممن ظلمهم ولا ناخذ لانفسنا ( 1 ) .
( قال عبد المحمود ) : ما زلت أسمع علماء اهل البيت عليهم السلام يتالمون من أبى بكر وعمر باخذ فدك من أمهم وقد وقفت على كتب لهم وروايات كثيرة عن سلفهم حتى أنهم يراعون حفظ حدود فدك كما يراعي المظلوم حفظ حدود ضيعته وملكه إذا غصب منه .
350 - ومن ذلك ما رواه علي بن اسباط سئل أنه موسى بن جعفر عليه السلام عن حدود فدك فقال : حدها الاول عرش مصر والحد الثاني دومة الجندل والحد الثالث تيما والحد الرابع جبال أحد من المدينة ( 2 )
351 - ومن ذلك ما رواه على بن اسباط رفعه الى الرضا عليه السلام ان رجلا من أولاد البرامكة عرض لعلي بن موسى الرضا عليه السلام فقال له : ما تقول في أبى بكر ؟ قال له : سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر ، فالح السائل عليه في كشف الجواب ، فقال عليه السلام : كانت لنا أم صالحة ماتت وهى عليهما ساخطة ولم ياتنا بعد موتها خبر أنها رضيت عنهما .
( قال عبد المحمود ) : وعلماء أهل البيت عليهم السلام لا يحصى عددهم وعدد شيعتهم الا الله تعالى ، وما رايت ولا سمعت عنهم انهم يختلفون في ان أبا بكر وعمر ظلما امهم فاطمة عليها السلام ظلما عظيما .
وذكر أبو هلال العسكري في كتاب أخبار الاوائل ان أول من رد فدكا على ورثة فاطمة عليها السلام عمر بن عبد العزيز ، وكان معاوية أقطعها لمروان ابن الحكم وعمرو بن عثمان ويزيد بن معاوية وجعلها بينهم أثلاثا ، ثم قبضت من ورثة فاطمة فردها عليهم السفاح ، ثم قبضت فردها عليهم المهدى ، ثم قبضت فردها عليهم المأمون كما تقدم شرحه .
* ( هامش ) *
( 1 ) علل الشرائع : 1 / 154 - 155 .
( 2 ) راجع الكافي للكليني : 1 / 456 . ( * )
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص
253
ومن غير كتاب أبى هلال العسكري بل في تواريخ متفرقة أنها قبضت منهم بعد المأمون فردها عليهم الواثق ، ثم قبضت فردها عليهم المستعين ثم قبضت فردها عليهم المعتمد ، ثم قبضت فردها المعتضد ، ثم قبضت فردها عليهم الراضي .
( قال عبد المحمود ) : ومن طريف ما رايت المناقضة في ذلك ان أبا بكر وعمر يردان شهادة على بن ابى طالب عليه السلام ويقولان انه يجر الى نفسه ، وقد عرف أهل الملل والعارفون باحوال الاسلام ان علي بن ابى طالب عليه السلام ما كان طالبا للدنيا ولا راغبا فيها ولا متكلا عليها كما فعل أبو بكر وعمر حتى يقال انه يجر الى نفسه .
ومن طريف أن يكون الله العالم بالسرائر يشهد لعلى بن أبى طالب عليه السلام على لسان رسولهم على ما ذكروه في صحاحهم وقد تقدم بعضه أن على بن أبى طالب عليه السلام ممدوح مزكى في الحياة وبعد الوفاة وأنه أفضل الصحابة ،
فان جاز الشك في علي عليه السلام الموصوف بتلك الصفات فانما هو شك فيمن أسندوا إليه تلك الروايات وتكذيب لانفسهم فيما صححوه ، ونقص للاسلام الذي مدحوه .
ومن طريف ذلك أن تسقط شهادة علي عليه السلام بدعوى أنه يجر الى نفسه ، ويشهد أبو بكر ان ميراث محمد " ص " للمسلمين ، فإذا كان أبو بكر من المسلمين فله في ميراثه حصة ولكل من وافقه في الشهادة بذلك ، فكيف لا يكونون جارين
الى انفسهم ؟ وكيف لا يبطل شهادة أبي بكر وهو في تلك الحال يزعم انه وكيل المسلمين وشاهد لهم وشاهد لنفسه ومدع لثبوت يده على فدك والعوالي ، ولا يكون بعض هذه الامور القادحة في الشهادات مبطلا لشهادته ولا جارا الى نفسه ولا مسقطا لروايته . ان ذلك من طرائف ما ادعاه المسلمون
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص
254
وعجائب السلف الماضين .
352 - ومن طريف مناقضاتهم ما رووه في كتبهم الصحيحة عندهم برجالهم عن مشايخهم حتى أسندوه عن سيد الحفاظ يعنون ابن مردويه قال : أخبرنا محيى السنة أبو الفتح عبدوس بن عبد الله الهمداني اجازة قال : حدثنا القاضى أبو نصر شعيب بن
على قال : حدثنا موسى بن سعيد قال : حدثنا الوليد بن علي قال : حدثنا عباد بن يعقوب عن ابن عباس عن فضيل عن عطية عن أبى سعيد قال : لما نزلت هذه الاية " وآت ذا القربى حقه " ( 1 ) دعا رسول الله " ص " فاطمة فاعطاها فدكا ( 2 ) .
( قال عبد المحمود ) : فهل ترى عذرا في منع فاطمة عليها السلام من فدك ؟ وهل تراهم الا قد شهدوا بتصديقها ثم منعوها وكذبوها ؟ وهل ترى شكا فيما ترويه الشيعة من ظلمها ودفعها من حقها ؟ .
ومن طريف مناقضتهم ايضا في ذلك واقرارهم بظهور حجة الله وحجة رسوله وحجة فاطمة عليهم ، ومبالغتهم في اعترافهم ببطلان أعذارهم في منع فاطمة من فدك .
353 - ما ذكره المسمى صدر الائمة عندهم فخر خوارزم موفق بن احمد المكي في كتابه قال ما هذا لفظه : ومما سمعت في المقادير باسنادى عن ابن عباس رضى الله عنه قال : قال رسول الله " ص " : يا علي ان الله تعالى زوجك فاطمة وجعل صداقها الارض ، فمن مشى عليها مبغضا لها مشى حراما ( 3 ) .
( قال عبد المحمود ) : فإذا كان الامر قالوه وان الارض صداقها
* ( هامش ) *
( 1 ) الاسراء : 26 .
( 2 ) رواه الحسكاني في شواهد التنزيل : 1 / 338 ، وينابيع المودة : 119 .
( 3 ) البحار : 43 / 141 ، والخوارزمي في المقتل : 66 . ( * )
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص
255
أفما كان يحسن أن تعطى من جملة صداقها فدكا ؟ وهل رواياتهم لمثل هذا الا زيادة في الحجة عليهم ؟ فان من قد شهدتم ان الارض صداقها فكيف جاز أن تكذب وتمنع من فدك ، ان هذا من عجائب ما نقلوه ومناقض ما قالوه .
ومن طريف مناقضتهم أيضا ما رواه أبو بكر بن مردويه في كتابه باسناده قال : نابت اصحاب محمد " ص " نائبة فجمعهم عمر فقال لعلى عليه السلام تكلم فانت خيرهم وأعلمهم هذا لفظ الحديث .
ومن طريف مناقضتهم أيضا في ذلك روايتهم في صحاحهم بان عليا أقضاهم وأعلمهم .
354 - وقد ذكر الحميدى في كتاب الجمع بين الصحيحين في الحديث الاول من افراد البخاري في مسند ابى بن كعب طرفا من ذلك ورووا في كتبهم كان عمر يقول : لا عاش عمر لمعضلة ليس لها أبو الحسن - يعنى عليا عليه السلام ( 1 ) . وان لو لا علي لهلك عمر ( 2 ) .
فكيف يقال : عن علي عليه السلام وهو بهذا العلم وهذه الاوصاف وقد بلغ من الامانة والورع والزهادة الى الغايات ، بانه يترك زوجته المعظمة في الاسلام تطلب حكما وشيئا لا يثبت لها ، ولا تقبل فيه شهادة شهودها ، وانه ممن لا يقبل شهادته في ذلك ، ثم يشهد لها ثم يوافقها ويعاضدها في الحياة ويزكيها الوفاة .
ومن طريف الامور الدالة على تهوينهم بفاطمة بنت نبيهم وبوصايا أبيها فيها وعدم طلبهم لمراضيها أنها تبقى ستة أشهر على ما تقدمت الرواية عنهم في صحاحهم هاجرة لابي بكر فلا يقع توصل في رضاها ، وقد كان يمكن أبو بكر
* ( هامش ) *
( 1 ) رواه في احقاق الحق عنه : 8 / 194 ، ونحوه الخوارزمي في المناقب : 51 .
( 2 ) رواه القندوزى في ينابيع المودة : 70 ، ورواه جمع من الرواة وهو مشهور . ( * )
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص
256
إذا عجز عن كل شئ ان يهب لها ما يخصها من الحصة التى ادعاها بشهادة في ميراث أبيها ويستوهب لها باقى فدك والعوالى من المسلمين أو يشترى ذلك منهم ، أفما كان لحق أبيها وحقها ما يوجب عليه وعلى المسلمين أن يؤثروها بذلك ، أو يبعثوا من يشتري لها ذلك .
ومن طريف ما رايت من اعتذارهم لابي في ظلم فاطمة عليها السلام بنت نبيهم ان محمود الخوارزمي ذكر في كتاب الفائق في الاصول لما استدلوا عليه بان فاطمة صادقة وانها من أهل الجنة ، فكيف يجوز الشك في دعواها لفدك ؟ وكيف يجوز
أن يقال عنها انها أرادت ظلم جميع المسلمين وأصرت على ذلك الى الوفاة ؟ فقال الخوارزمي ما هذا لفظه : ان كون فاطمة صادقة في دعواها وأنها من أهل الجنة لا توجب العمل بما تدعيه الا ببينة . قال الخوارزمي : وان أصحابه يقولون لا يكون
حالها أعلى من حال نبيهم محمد " ص " ، ولو أدعى نبيهم محمد مالا على ذمي وحكم حكما ما كان للحكم أن يحكم له لنبوته وكونه من أهل الجنة الا ببينة .
( قال عبد المحمود ) : أما تضحك العقول الصحيحة من هذا الكلام ! كيف يعدون هؤلاء من أهل الاسلام ويزعمون انهم قد صدقوا نبيهم في التحريم والتحليل والعطاء والمنع وكل شئ ذكره لنفسه أو لغيره ، ويكذبونه أو يشكون في صدقه في الدعوى على ذمى حتى يقوم ببينة ، ان هذا عقل ضعيف ودين سخيف .
ومن طريف ذلك ان البينة ما عرفوا ثبوتها وصحة العمل بها الا من نبيهم ويكون ثبوت صدقه الان في الدعوى على الذمي بالبينة .
ومن طريف ما تجدد في هذا المعنى أن فاطمة بنت نبيهم المشهود لها بالفضائل وأنها سيدة نساء أهل الجنة ، يكذبونها ويكذبون شهودها ويطعنون
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص 257
فيهم وفيها مع ما تقدم في رواياتهم من مدائح الله ورسوله لهم ، ويدعى بنو صهيب مولى بنى جزعان ببيتين وحجرة من بيوت نبيهم وحجراته ويطلبون ذلك بعد وفاته بمدة طويلة تقتضي ان لو كان لهم حق فيما ادعوه لظهر فيعطون ذلك بشهادة عبد الله
بن عمر وحده ، ولا ينكر ذلك مسلم منهم ، ولا يجرى عند هؤلاء الاربعة المذاهب حال فاطمة وشهودها مجرى عبد الله بن عمر وحده . وقد روى الحديث في ذلك جماعة .
355 - ورواه الحميدي في مسند عبد الله بن عمر في الحديث الثامن والستين من أفراد البخاري من كتاب الجمع بين الصحيحين بهذه الالفاظ : ان بنى صهيب مولى بنى جزعان ادعوا ببيتين وحجرة أن رسول الله " ص " أعطى ذلك صهيبا ، فقال مروان : من يشهد لكم على ذلك ؟ قالوا : عبد الله ابن عمر ، فشهد لهم بذلك ، فقضى مروان بشهادته وحده لهم .
ومن طريف ما تجدد لفاطمة عليها السلام منهم أنها لما رات تكذيبهم لها وشكهم فيها وفى شهودها بان أباها وهبها ذلك في حياته أرسلت الى أبى بكر ورووا أنها حضرت بنفسها تطلب فدكا بطريق ميراث أبيها ، لان المسلمين لا يختلفون في أن
فدكا كانت لابيها محمد " ص " فمنعها أيضا أبو بكر من ميراثها وهان عليه ظلمها وتكذيبها ، وادعى في منعها قولا من أبيها لو كان قد قاله ما كان خفي عنها وعن جماعة من أهل الاسلام ، وأذاها وقبح ذكر صدقها وأساء الخلافة لابيها فيها ، وطعن في تزكيته لها فهجرته حتى ماتت .
356 - فمن الرواية في ذلك ما ذكره البخاري في صحيحه في الجزء الخامس من اجزاء ثمانية في رابع كراس من أوله من النسخة المنقول منها باسناده عن عائشة ان فاطمة عليها السلام بنت رسول الله " ص " أرسلت الى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله مما أفاء عليه بالمدينة وفدك وما بقى من
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص
258
خمس خيبر ، فقال أبو بكر : ان رسول الله " ص " قال : نحن معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة ، انما ياكل آل محمد من هذا المال ، وانى والله لا اغير شيئا من صدقة رسول الله عن حالها التى كانت عليها في عهد رسول الله ولاعملن
فيها بما عمل به رسول الله ، فابى أبو بكر أن يدفع فاطمة منها شيئا ، فوجدت فاطمة على أبى بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلا ، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها علي - الخبر ( 1 ) .
357 - ومن الرواية في ذلك ما رواه مسلم في صحيحه في الجزء الثالث من أجزاء ستة في أواخره على نحو ثلاث كراريس من النسخة المنقول منها باسناده ان فاطمة بنت رسول الله " ص " أرسلت الى أبى بكر تسأله ميراثها من رسول
الله مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقى من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : ان رسول الله قال : لا نورث ما تركناه صدقة ، انما ياكل آل محمد من هذا المال ، وانى والله لا اغير شيئا من صدقة رسول الله عن حالها التى كانت عليها في عهد رسول
الله ولاعملن فيها بما عمل رسول الله ، فابى أبو بكر ان يدفع فاطمة شيئا ، فوجدت فاطمة على أبى بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ابن أبى طالب ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها علي عليه السلام ( 2 ) .
( قال عبد المحمود ) : في هذين الحديثين عدة طرائف : فمن طريف ذلك أنهم نسبوا محمدا " ص " نبيهم الى انه أهمل أهل بيته
* ( هامش ) *
( 1 ) البخاري في صحيحه : 5 / 177 .
( 2 ) مسلم في صحيحه : 3 / 1380 . ( * )
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص
25
9
الذين قال الله تعالى عنهم " وأنذر عشيرتك الاقربين " ( 1 ) وقال في كتابهم " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجاره " ( 2 ) ومع هذا ينقلون أنه لم ينذر عشيرته ولا وقى أهله ولا عرفهم انهم لا يرثونه ولا عرف
عليا عليه السلام ولا العباس ولا أحدا من بنى هاشم ولا أزواجه ولا سمعوا ولا أحد منهم بذلك مدة حياة نبيهم ولا بعد وفاته حتى خرج بعضهم يطلب ميراثه وبعضهم يرضى بذلك الطلب وتبذلوا وتبذلت ابنته فاطمة المعظمة سيدة نساء العالمين فطلبت على قولهم ظلم جميع المسلمين .
358 - لا سيما وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أبى بكر من المتفق عليه في الحديث السادس ان فاطمة عليها السلام والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله " ص " ، وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر - الخبر ( 3 ) .
359 - وروى ايضا الحميدي في الجمع بين الصحيحين من مسند عائشة في الحديث الثالث والاربعين من المتفق عليه أنها قالت : ان ازواج النبي " ص " حين توفي رسول الله " ص " ، أردن أن يبعثن عثمان بن عفان الى أبى بكر فيسالنه ميراثهن - الحديث ( 4 ) .
( قال عبد المحمود ) : كيف يقبل العقول ويقتضى العوائد أن نبيهم يعلم انه لا يورث ويكتم ذلك عن وراثه ونسائه وخاصته ان ذلك دليل واضح على انه قد كان موروثا على اليقين ، وانهم دفعوا فاطمة عليها السلام ووراثه بالمحال الذى لا يخفى على أهل البصائر والدين .
* ( هامش ) *
( 1 ) الشعراء : 214 .
( 2 ) التحريم : 6 .
( 3 ) رواه مسلم في صحيحه : 3 / 1381 .
( 4 ) رواه مسلم في صحيحه : 3 / 1379 . ( * )
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص
260
ومن طريف ذلك أن يكون بنو هاشم وأزواجه وابنته مشاركين لمحمد " ص " نبيهم في سره وجهره ومطلعين على أحواله ، ويستر عنهم أنهم لا يستحقون ميراثه ويعلم ذلك أبو بكر ومن وافقه من الاباعد ، و ليس لهم ما لبنى هاشم من الاختصاص به
والمخالطة له ليلا ونهارا وسرا وجهرا ، ان ذلك من طرائف ما يقال عن هؤلاء القوم من ارتكاب المحال . ومن طريف ذلك ان محمدا " ص " نبيهم يبلغ الغايات من الشفقة على الاباعد وقد تضمن كتابهم " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما
عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم " ( 1 ) فيصفه الله بهذه الرافة والرحمة ويشهدون بتصديق ذلك ، فكيف يقال عن هذا الشفيق الرؤف الرحيم أنه ترك الشفقة على مثل ابنته وعمه وأزواجه وبنى هاشم ولم يعرفهم أنهم لا يستحقون ميراثه ويعرف بذلك الاباعد حتى يجري ما جرى ، ان ذلك من عجيب المناقضات وطريف المقالات .
ومن طريف ذلك ان ابا بكر قد اقسم في الحديثين المذكورين انه لا يغير ما كان من ذلك على عهد رسول الله " ص " .
360 - وقد روى الحميدى في الجمع بين الصحيحين من مسند جبير بن مطعم في الحديث الثالث من افراد البخاري قال : جاء جبير بن مطعم وعثمان ابن عفان الى النبي " ص " يكلمانه فيما فيه من خمس خيبر من بنى هاشم وبنى عبد المطلب ،
فقالا : يا رسول الله قسمت لاخواننا بنى عبد المطلب ولم تعطنا شيئا ، وقرابتنا مثل قرابتهم بهما ، فقال رسول الله : انما أرى هاشما وعبد المطلب شيئا واحدا ؟ قال جبير : ولم يقسم رسول الله لبنى عبد شمس ولا لبنى نوفل من ذلك الخمس شيئا ( 2 ) .
* ( هامش ) *
( 1 ) التوبة : 128 .
( 2 ) البخاري بهذا المضمون في صحيحه : 4 / 155 . ( * )
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص
261
وزاد حرملة عن ابن وهب عن يونس قال ابن شهاب : وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم النبي " ص " غير انه لم يكن يعطي قرابة رسول الله كما كان رسول الله يعطيهم . ثم رايت في نسخة الحميدى وان هذه صورتها ثم قال : أظنة كان يزيدهم ، قال ابن شهاب : وكان عمر يعطيهم منه وعثمان بعده .
( قال عبد المحمود بن داود ) : وقد استطرفت واستعظمت يمين أبى بكر ودفعه لفاطمة عليها السلام أنه يعمل في خمس خيبر كما عمل رسول الله " ص " وأنه لا يغير ذلك ، ثم شهادتهم على أبي بكر في الحديث الصحيح أنه غير ذلك وما كان يقسم
خمس خيبر بعد نبيهم محمد في قرابته كما كان يقسمها نبيهم في حياته ، وهذا من عظائم الامور التي تدل على سوء أحوال الفاعلين والراضين بالامور المذكورة .
ومن طريف ذلك اعتذار الحميدي لابي بكر وقوله " أظنه كان يزيدهم " ، فهب انه كان يزيدهم أما ذلك خلاف ما كان يفعل رسول الله في خمس خيبر ، ثم ان كان لابي بكر ان يفعل ذلك فهلا أعطى لفاطمة عليها السلام فدكا والعوالى بالحجة التى
يزيد بها قرابة نبيهم بعد وفاته وغير ما ذكر انه لا يغيره من عاداته ، أما لهؤلاء المسلمين عقول يفكرون في مناقضات المنقول . ومن طريف الحديثين المذكورين وما رووه وصححوه في ضد ذلك .
361 - ما رواه الحميدى في الجمع بين الصحيحين في الحديث الحادى والثلاثين من المتفق عليه من مسند عبد الله بن عباس ، في جواب ما كتب إليه نجدة بن عامر الحروري وهو من رؤساء الخوارج ، قال : وكتبت تسألني عن الخمس لمن هو ؟ وانا كنا نقول : هو لنا ، فابى علينا قومنا ذلك ( 1 ) .
( قال عبد المحمود ) : فهذه شهادة عبد الله بن عباس فيما صححوه ان فاطمة
* ( هامش ) *
( 1 ) رواه مسلم في صحيحه : 3 / 1444 . ( * )
وعليا والحسنين علي عم السلام قد منعوا من الخمس وفى ذلك ما فيه لمن كان له قلب عاقل ونظر فاضل . ومن طريف الحديثين المذكورين انهما قد تضمنا ان فاطمة بنت نبيهم هجرت أبا بكر وانه اغضبها ، وتاذت بذلك وبقيت على هجرانها له ستة أشهر حتى ماتت .
362 - وقد روى مسلم في صحيحه في الجزء الرابع في ثلثه الاخير باسناده قال : قال رسول الله " ص " : انما فاطمة بضعة مني ، يؤذيني ما آذاها ( 1 ) .
363 - وروى مسلم في صحيحه في الجزء الرابع على حد كراسين في آخره من باب مناقب فاطمة باسناده ان رسول " ص " قال : فاطمة بضعة مني ، فمن أغضبها أغضبني ( 2 ) .
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين هذين الحديثين باسناده الى نبيهم محمد " ص " .
364 - وروى صاحب كتاب الجمع بين الصحاح الستة في الجزء الثالث من أجزائه الثلاثة في باب مناقب فاطمة باسناده عن نبيهم محمد " ص " قال : قال رسول الله " ص " : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني . وانه قال : فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ( 3 ) .
365 - وروى صاحب كتاب الجمع بين الصحاح الستة ايضا في الجزء الثالث من جزئين من الكراس الخامس من النسخة المنقول منها من باب مناقب فاطمة من صحيح أبى داود باسناده ان النبي " ص " أشار الى فاطمة فقال
* ( هامش ) *
( 1 ) مسلم في صحيحه : 4 / 1903 .
( 2 ) البخاري في صحيحه : 5 / 36 .
( 3 ) احقاق الحق عنه : 10 / 215 . ( * )
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص
263
ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الامة أو نساء العالمين ، قالت : يا أبة فاين مريم ابنة عمران وآسية امراة فرعون ؟ فقال : مريم سيدة نساء عالمها وآسية سيدة نساء عالمها ( 1 ) .
366 -وروى البخاري في صحيحه في الجزء الرابع في مناقب فاطمة باسناده قال : قال النبي " ص " : فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ( 2 ) .
367 - وروى مسلم في صحيحه في الجزء الرابع على حد كراسين في آخره من النسخة المنقول منها باسناده عائشة ان محمدا " ص " نبيهم قال : ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الامة ( 3 ) .
ورواه الثعلبي في تفسير قوله تعالى " واني سميتها مريم " .
( قال عبد المحمود ) مؤلف هذا الكتاب : انني لاعجب ويحق لي أن أعجب من شهادة هؤلاء الاربعة المذاهب بصحة هذه الروايات ، ثم يهونون ما جرى على فاطمة عليها السلام من المظالم الهايلات ! فليتهم حيث هان عندهم تالمها وظلمها كانوا
تركوا الروايات بتزكيتها أوليتهم حيث صححوا رووه في تعظيمها في الدنيا والاخرة كانوا قد استعظموا ظلمها . ومن طرائف ما رووه في حضورها بنفسها عند أبى بكر وتالمها وطلبها لحقها .
368 - ما ذكره الشيخ أسعد بن سقروة في كتاب الفائق عن الاربعين عن الشيخ المعظم عندهم الحافظ الثقة بينهم أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الاصفهاني في كتاب المناقب قال : أخبرنا اسحاق بن عبد الله بن ابراهيم قال : حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي قال : حدثنا الزيادي محمد بن زياد
* ( هامش ) *
( 1 ) أبو داود في مسنده : 196 ، وأبو نعيم في حلية الاولياء : 2 / 42 .
( 2 ) البخاري في صحيحه : 5 / 36 .
( 3 ) مسلم في صحيحه : 4 / 1906 . ( * )
السبت مايو 14, 2011 11:43 am من طرف زينب العلوية