عبادة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وزهدها
روى الإمام الصادق (عليه السلام) بسنده إلى الإمام الحسن (عليه السلام)، أنه قال: "رأيت أمّي فاطمة (عليها السلام) قامت في محرابها ليلةَ جمعةٍ، فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسَمِّيهم، وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعوا لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أُمَّاه، لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟.
فقالت (عليها السلام): يا بُنَي، الجار ثم الدار".
وعن الحسن البصري: ما كان في هذه الأمّة أعبد من فاطمة (عليها السلام)، كانت تقوم حتى تورَّم قدماها.
أما زهدها، فإن الأبرار الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه، فهم الذين قد عرفوا الدنيا وما فيها من نعيم زائل، فأعرضوا عنها بقلوبهم، والتمسوا رضوان الله تعالى في مأكلهم، ومَلبَسِهِم، وأسلوب حياتهم.
فامرأة مثل الزهراء (عليها السلام)، وجلالة قدرها، وعِظَم منزلتها، كانت شَمِلَتها التي تلتف بها خَلِقه، قد خيطت في اثني عشر مكاناً بسعف النخل.
فنظر إليها سلمان يوماً فبكى، وقال: واحُزناه، إن بنات قيصر وكسرى لفي السندس والحرير، وابنة محمد (صلى الله عليه وآله) عليها شملة صوف خلقه، قد خيطت في اثني عشر مكاناً.
وجاء في تفسير الثعلبي عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وتفسير القشيري، عن جابر الأنصاري قال: رأى النبي (صلى الله عليه وآله) فاطمة، وعليها كساء من أَجِلَّة الإبل، وهي تطحن بيديها، وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: "يا بِنتَاه، تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة؟ ".
فقالت (عليها السلام): "يا رسول الله، الحمد لله على نعمائه، والشكر لله على آلائه".
فأنزل الله تعالى: (وَلَسَوْفَ يُعطِيكَ رَبُّكَ فَتَرضَى) [الضحى: 5].
وقال ابن شاهين في مناقب فاطمة (عليها السلام)، وأحمد في مسند الأنصار عن أبي هُرَيرَة وثوبان، أنهما قالا: كان النبي (صلى الله عليه وآله) يبدأ في سَفَره بفاطمة (عليها السلام)، ويختم بها، فَجَعَلَت (عليها السلام) وقتاً ـ أي: مَرَّة ـ ستراً من كساء خَيبَرِيَّة، لِقدوم أبيها (صلى الله عليه وآله)، وزوجها (عليه السلام).
فلما رآها النبي (صلى الله عليه وآله) تجاوز عنها، وقد عُرِف الغضب في وجهه حتى جلس على المنبر.
فنزعت (عليها السلام) قلادتها وقرْطَيْهَا ومسكَتَيْهَا، ونزعت الستر، فبعثت به إلى أبيها (صلى الله عليه وآله)، وقالت: "اِجعل هذا في سبيل الله".
فلمّا أتاه، قال (صلى الله عليه وآله): "قد فَعَلَت فِداها أَبُوها ـ ثلاث مرات ـ ما لآل محمد وللدنيا، فإنهم خُلِقوا للآخرة، وخلقت الدنيا لهم".
وفي رواية أحمد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "فإنَّ هؤلاء أهلُ بيتي، ولا أحب أن يأكلوا طَيِّبَاتِهم في حياتهم الدنيا".
وَلَعلَّ في قصة العقد المبارك ـ الذي قَدَّمَتْهُ الزهراء (عليها السلام) إلى الفقير الذي جاء إلى أبيها (صلى الله عليه وآله)، فأرشده النبي إلى دار فاطمة (عليها السلام) ـ خَيرُ شَاهدٍ على زهدها (عليها السلام)، فإن في ذلك أروع الأمثلة في الإحسان، والإيثار والمواساة
الجمعة سبتمبر 16, 2011 12:00 pm من طرف زينب العلوية