شهادة فاطمة الزهراء ( عليها السلام )[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بعد وفاة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]( صلى الله عليه وآله ) اشتدَّ عليها الحزن و الأسى
، و نزل بها المرض ، لِمَا لاقَتْهُ من هجوم أَزْلامِ الزُمرة الحاكمة
آنذاك على دارها ، وَ عَصْرِهَا بَين الحَائطِ و البَابِ ، وَ سُقُوطِ
جَنِينِها ، المُحسِن ( عليه السلام ) ، وَ كَسْرِ ضِلعِها ، وَ غَصبِ أَرضِهَا ( فَدَك ) .
فتوالت
الأمراض على وديعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، و فَتك الحزن جِسمَها
النحيلَ المُعذَّبَ ، حتى انهارت قواها ( عليه السلام ) .
فقد
مشى إليها الموت سريعاً ، و هي ( عليها السلام ) في شبابها الغَض ، و قد
حان موعد اللقاء القريب بينها ( عليها السلام ) ، و بين أبيها ( صلى الله
عليه وآله ) الذي غاب عنها ، و غابت معه عواطفه الفَيَّاضة .
وَ لَمَّا بدت لها طلائع الرحيل عن هذه الحياة ، طَلَبتْ حضورَ
أن
يُوارِي ( عليه السلام ) ، جثمانها ( عليها السلام ) المقدس في غَلس
اللَّيل البهيم ، و أن لا يُشَيِّعُها أحد من الذين هَضَمُوهَا ، لأنهم
أَعداؤها ( عليها السلام ) ، و أعداء أبيها ( صلى الله عليه وآله ) - على
حَدِّ تعبيرها - .
كَما عَهدت إليه ، أن يتزوَّج من بعدها بابنة أختها أمَامَة ، لأنَّها تقوم بِرِعَايَة ولديها
وعهدت إليه ، أن يعفي موضع قبرها ، ليكون رمزاً لِغَضَبِهَا غير قابلٍ للتأويل على مَمَرِّ الأجيال الصاعدة .
وضمن لها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) جميع ما عَهدَت إليه ، و انصرف عنها ( عليها السلام ) ، و هو غارق في الأسى و الشجون .
و
في آخر يوم من حياتها ( عليها السلام ) ، ظهر بعض التحسّن على صحتها ،
بادية الفرح و السرور ، فقد علمت ( عليها السلام ) ، أنها في يومها تلحق
بأبيها ( صلى الله عليه وآله ) .و
عمدت ( عليها السلام ) إلى ولديها ( عليهما السلام ) فَغَسَلت لهما ، و
صنعت لهما من الطعام ما يكفيهم يومهم ، و أمرت ولديها بالخروج لزيارة قبر
جدّهما ، و هي تلقي عليهما نظرة الوداع ، و قلبها يذوب من اللوعة والوجد .
فخرج الحسنان
( عليهما السلام ) ، و قد هاما في تيار من الهواجس ، و أَحسَّا ببوادر
مخيفة ، أغرقتهما بالهموم و الأحزان ، و التفت وديعة النبي ( صلى الله
عليه وآله ) إلى أسماء بنت عميس ، و كانت تتولى تمريضها ، و خدمتها فقالت ( عليها السلام ) لها : يا أُمَّاه .
فقالت أسماء : نعم يا حبيبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
فقالت ( عليها السلام ) : اسكبي لي غسلاً .
فانبرت أسماء ، و أتتها بالماء فاغتسلت ( عليها السلام ) فيه ، و قالت ( عليها السلام ) لها ثانياً : إيتيني بثيابي الجدد .
فناولتها أسماء ثيابها ( عليها السلام ) .
ثم هتفت الزهراء ( عليها السلام ) ، بها مرة أخرى : اجعلي فراشي وسط البيت .
و عندها ذعرت أسماء ، و ارتعش قلبها ، فقد عرفت أن الموت قد حلّ بوديعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
فصنعت
لها ما أرادت ، فاضطجعت الزهراء ( عليها السلام ) على فراشها ، و استقبلت
القبلة ، و التفتت إلى أسماء قائلة بصوت خافت : يا أُمَّاه ، إني مقبوضة
الآن ، و قد تَطَهَّرتُ فلا يكشفني أحد .
و أخذت ( عليها
السلام ) تتلو آيات من الذكر الحكيم ، حتى فارقت الروحُ الجسد ، وَ سَمت
تلك الروح العظيمة إلى بارئها ، لتلتقي بأبيها ( صلى الله عليه وآله ) ،
الذي كرهت الحياة بعده .
و كان ذلك في ( 13 من جمادي الأول )
من سنة ( 11 هـ ) ، و في رواية أخرى أنه كان في ( 13 ربيع الثاني ) من نفس
السنة ، و في رواية أخرى في ( 3 جمادي الثاني ) من نفس السنة أيضاً .
و
رجع الحسنان ( عليهما السلام ) إلى الدار ، فلم يجدا فيها أمهما ( عليها
السلام ) ، فبادرا يسألان أسماء عن أمّهما ، ففاجئتهما ، و هي غارقة في
العويل و البكاء قائلة : يا سيدي إن أمّكما قد ماتت ، فأخبرا بذلك أباكما
، و كان هذا الخبر كالصاعقة عليهما .
فهرعا ( عليهما السلام
) مسرعين إلى جثمانها ، فوقع عليها الحسن ( عليه السلام ) ، و هو يقول :
يا أُمَّاه ، كلميني قبل أن تفارق روحي بدني .
وألقى الحسين ( عليه السلام ) نفسه عليها ،و هو يَعجُّ بالبكاء قائلاً : يا أُمَّاه ، أنا ابنك الحسين كلميني قبل أن ينصدع قلبي .
و
أخذت أسماء تعزيهما وتطلب منهما أن يسرعا إلى أبيهما ( عليه السلام )
فيخبراه ، فانطلقا ( عليهما السلام ) إلى مسجد جدّهما رسول الله ( صلى
الله عليه وآله ) وهما غارقان في البكاء ، فلما قربا من المسجد رفعا
صوتهما بالبكاء ، فاستقبلهما المسلمون وقد ظنوا أنهما تذكرا جدّهما ( صلى
الله عليه وآله ) فقالوا :
ما يبكيكما يا ابنَي رسول الله ؟ لعلّكما نظرتما موقف جدّكما ( صلى الله عليه وآله ) فبكيتما شوقاً إليه ؟
فهرعا ( عليهما السلام ) إلى أبيهما وقالا بأعلى صوتهما : أَوَ ليس قد ماتت أُمُّنا فاطمة .
فاضطرب الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وهزَّ النبأ المؤلم كِيانَه ، وطفق يقول :
بمن العزاء يا بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ) ؟
كنتُ بِكِ أتعزَّى ، فَفِيمَ العزاء من بعدك ؟
وخَفَّ
( عليه السلام ) مسرعاً إلى الدار وهو يذرف الدموع ، ولما ألقى نظرة على
جثمان حبيبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخذ ينشد ( عليه السلام ) :
لِكُلِّ اجتِمَاعٍ مِن خَلِيلَيْنِ فِرقَةٌ وَكُلُّ الَّذي دُونَ الفِرَاقِ قَليلُ
وَإِنَّ افتِقَادِي فَاطماً بَعدَ أَحمَد دَلِيلٌ عَلى أَنْ لا يَدُومَ خَلِيلُ
وهرع
الناس من كل صوب نحو بيت الإمام ( عليه السلام ) وهم يذرفون الدموع على
وديعة نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) ، فقد انطوت بموت الزهراء ( عليها
السلام ) آخر صفحة من صحفات النبوة ، وتذكروا بموتها عطف الرسول ( صلى
الله عليه وآله ) عليهم ، وقد ارتَجَّت المدينة المنورة من الصراخ والعويل
.
وعهد الإمام ( عليه السلام ) إلى سَلمَان أن يقول للناس
بأن مواراة بضعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) تأخّر هذه العشية ، وتفرقت
الجماهير .
ولما مضى من الليل شَطرُهُ ، قام الإمام ( عليه
السلام ) فغسَّل الجسد الطاهر ، ومعه أسماء والحسنان ( عليهما السلام ) ،
وقد أخذت اللوعة بمجامع قلوبهم .
وبعد أن أدرجها في أكفانها
دعا بأطفالها – الذين لم ينتهلوا من حنان أُمِّهم – ليلقوا عليها النظرة
الأخيرة ، وقد مادت الأرض من كثرة صراخهم وعويلهم ، وبعد انتهاء الوداع
عقد الإمام الرداء عليها .
ولما حَلَّ الهزيع الأخير من
الليل قام ( عليه السلام ) فصلّى عليها ، وعهد إلى بني هاشم وخُلَّصِ
أصحابه أن يحملوا الجثمان المقدّس إلى مثواه الأخير .
ولم يخبر ( عليه السلام ) أي أحد بذلك ، سوى تلك الصفوة من أصحابه الخُلَّص وأهل بيته ( عليهم السلام ) .
وأودعها
في قبرها وأهال عليها التراب ، ووقف ( عليه السلام ) على حافة القبر ، وهو
يروي ثراه بدموع عينيه ، واندفع يُؤَبِّنها بهذه الكلمات التي تمثل لوعته
وحزنه على هذا الرزء القاصم قائلاً :
( السَّلام
عَليكَ يا رسولَ الله عَنِّي وعنِ ابنَتِك النَّازِلَة في جوارك ، السريعة
اللحاق بك ، قَلَّ يا رسولَ الله عن صَفِيَّتِك صَبرِي ، وَرَقَّ عنها
تَجَلُّدِي ، إِلاَّ أنَّ في التأسِّي بِعظِيم فرقَتِك وَفَادحِ
مُصِبَيتِك مَوضِعَ تَعَزٍّ ، فَلَقد وَسَّدتُكَ فِي مَلحُودَةِ قَبرِك ،
وَفَاضَت بَينَ نَحري وصَدرِي نَفسُكَ . إِنَّـا لله
وإنَّا إليه راجعون ، لقد استُرجِعَتْ الوَديعةُ ، وأُخِذَتْ الرَّهينَة ،
أمَّا حُزنِي فَسَرْمَدْ ، وَأمَّا لَيلِي فَمُسَهَّدْ ، إلى أَنْ يختارَ
اللهُ لي دارَك التي أنتَ بِها مُقيم ، وَسَتُنَبِّئُكَ ابنتُكَ
بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ على هَضمِها ، فَاحفِهَا السُّؤَالَ ،
واستَخبِرْهَا الحَالَ ) .
فأعلن أمير المؤمنين ( عليه
السلام ) في هذه الكلمات شكواه للرسول ( صلى الله عليه وآله ) على ما
أَلَمَّ بابنتِه من الخطوب والنكبات ، وطَلبَ ( عليه السلام ) منه ( صلى
الله عليه وآله ) أن يَلحَّ في السُؤال منها ( عليها السلام ) ، لتخبِرَهُ
( صلى الله عليه وآله ) بما جرى عليها ( عليها السلام ) من الظُلم والضَيم
في تلك الفترة القصيرة الأمد التي قد عاشتها ( عليها السلام ) .
وعاد
الإمام ( عليه السلام ) إلى بيته كئيباً حزيناً ، ينظر إلى أطفاله ( عليهم
السلام ) وهُم يبكون على أُمِّهم ( عليها السلام ) أَمَرَّ البكاء .
الأربعاء أبريل 28, 2010 12:14 pm من طرف مؤمن قريش