مرشّح رئاسي...الله وانا
منذ مائة وخمسة وعشرين عاماً بالضبط، أي في عام ،1879 ارتأي الكاتب الأمريكي الساخر (مارك توين) أن يُرشحّ نفسه لمنصب الرئاسة في بلاده. ولم يكن، بالطبع، جادّاً في هذا الأمر، لكنّه أراد الإشارة إلي أنّ الفساد هو جوهر جميع المرشحين لهذا المنصب، وأنّ سرَّ التفاوت بينهم يكمن في كون بعضهم يستخدم مساحيق التجميل بمهارة كافية لطمس ماضيه الأسود!
وعليه فإن النقطة الأساسية التي ارتكز عليها (توين) في خطاب ترشيحه، هي أنه أكثر المرشحين جدارة بالثقة، لأنه أوّل وآخر مرشّح يعلن عن مفاسده منذ البداية!
وفي ما يلي خطاب الترشيح المنشور في كتاب قصصه ومقالاته ضمن سلسلة الكلاسيكيات التي تصدرها دار (بنغوين):
لقد عقدت النيّة تماماً علي أن أخوض انتخابات الرئّاسة. إنّ ما تحتاجه البلاد هو مرشّح لا يمكن أن تلحق بسمعته لطخة إذا تمّ استقصاء تاريخه الماضي، وذلك لكي لا يتاح لأعداء حزبه أن يستخدموا ضدّه أيّة واقعة لم يكن أحد قد سمع بها من قبل.
إذا كنت تعرف منذ البداية أسوأ الأشياء عن المرشّح، فإنّ أية محاولة لتشويه سمعته سوف تكون فاشلة. إنني، الآن، أدخل الساحة بملف مفتوح. سأعترف مقدماً بكل الأشياء الشريرة التي اقترفتها. وعليه فإذا فكّرتْ أية لجنة في الكونغرس لها موقف عدائي مني، أن تنقّب في سيرتي بأمل العثور علي صنيع أسود ومميت أخفيته، فلتفعل.
في المقام الأوّل أعترف بأنني، في شتاء عام 1850م ألجأت جَدّي المصاب بالروماتيزم إلي تسلّق شجرة. لقد كان عجوزاً وغير حاذق في صعود الأشجار، لكنّني بشخصيتي الوحشية المميّزة جعلته يعدو مسرعاً، بثياب النوم، خارج الباب الأمامي، متحامياً من الخردق الذي كنت أطلقه عليه من بندقيتي، مما ساعده علي أن ينطلق بخفّة ورشاقة إلي قمّة شجرة القَيْقَب، حيث أمضي الليلة كلّها هناك، فيما كنت أسدّد الطلقات نحو ساقيه.
لقد فعلت ذلك لأنه يشخر، وسأعيد الكَرّة لو كان لي جَدّ آخر، فأنا لا أزال أتّصف بالوحشية نفسها التي كانت لي في عام 1850.
اعترف صراحة بأنني هربت من معركة غيتيسبرغ. لقد حاول أصدقائي أن يلطفّوا هذه الحقيقة بتأكيدهم علي أنني فعلت ذلك بهدف محاكاة واشنطن الذي توغّل في الغابة خلال معركة فالي فورغ، من أجل تأدية صلواته. لكنّ هذه كانت حيلة بائسة منهم، لأن السبب في انطلاقي خارج مدار السرطان هو أنني كنت خائفاً. إنني أحب إنقاذ بلادي، لكنني أفضّل أن يتم إنقاذها علي يد شخص آخر. ولا أزال أفضل هذا الخيار حتي الآن.
إذا كان إحراز المرء لفقاعة السمعة الطيبة لا يتم إلا بمواجهة فوهة المدفع، فأنا مستعد للذهاب إلي هناك، علي شرط أن تكون فوهة المدفع فارغة.
أما إذا كانت محشوة بالذخيرة فإن هدفي الخالد الذي لا يمكن تغييره هو أن أقفز فوق السياج وأمضي إلي البيت. أفكاري المالية واضحة الملامح إلي أبعد حدّ، لكنها ليست واعدة، ربما، بزيادة شعبيتي بين المدافعين عن التضخم.
أنا لا أصّر علي التميز الخاص للنقود الورقية أو النقود المعدنية، فالمبدأ الأساسي العظيم في حياتي هو أن أستولي علي أيّ نوع استطيع أن أصل إليه.
الإشاعة التي تقول انني دفنت عمتي الميتة تحت عريشة العنب.. صحيحة.
العريشة كانت تحتاج إلي سماد، وعمّتي كان لابُدّ لها أن تُدفن، وعلي هذا فقد كرّستها لذلك الهدف السّامي. هل في هذا ما يجعلني غير لائق للرئاسة؟ إن دستور بلادنا لا يقول ذلك، وليس هناك مواطن، علي الإطلاق، قد اعتُبر غير مستحق لهذا المنصب بسبب كونه غذّي عريشة عنبه بجثث أقربائه الميّتين. فلماذا ينبغي انتقائي كأوّل ضحية لهذا الحكم المجحف والسّخيف؟! أعترف أيضاً بأنني لست صديقا للفقير. فأنا أنظر إلي الفقير، في حالته الرّاهنة، باعتباره كميّة كبيرة من المادة الخام المُضيّعة. وبتقطيعه وتعليبه كما ينبغي قد تكون له فائدة في تسمين سكّان جُزر الكانابال، وكذلك في تطوير سوق صادراتنا مع تلك المنطقة. إنني سوف أتقدم بمشروع قانون حول هذا الموضوع في أوّل رسالة لي. شعار حملتي سيكون: (احفظوا العامل الفقير، جفّفوه وحولوه إلي سجق هذه تقريباً هي أسوأ الأشياء في ملفي، وبها أتقدم لمواجهة بلادي.
وإذا كانت بلادي لا تريدني، فإنني سأرجع علي أعقابي. لكنني أعتبر نفسي الرّجل الجدير بالثقة - الرجل الذي يبدأ من الأساس الشامل للفساد، ويعتزم أن يبقي شريراً حتي النهاية!
وهكذا.. يمكننا أن نري أن (توين) برغم مبالغته في السخرية، قد عرض لنا صورة فاضلة عن زمانه. إذ لو أنه عاش حتي يومنا هذا، ورأي رؤساء من نوعية كلنتون وبوش الابن، فأي شيطان كان سينجد خياله في السخرية؟
ماذا سيكون إقلاق راحة الجَدّ المريض.. أمام إقلاق راحة الكرة الأرضية كلّها؟
وماذا سيكون دفن العمّة الميتة.. أمام دفن شعوب كاملة وهي علي قيد الحياة؟
وهل كان سيتحدث عن فساده الشخصي لو سمع بقصة مونيكا والرئيس الذي يفعل ما يفعل فقط لأنه يستطيع أن يفعل؟
وهل كان سيذكر شيئا عن فساده المالي، حين يري عصابة تخطف الولايات المتحدة وتستخدم جيشها لتدمير كل مكان، فقط لكي تملأ أرصدتها؟!
الجمعة يوليو 25, 2014 1:55 am من طرف ali ahmad