أ - الشهداء المقتولون صبرا . .
( 1 - حجر بن عدي الكندي ) يعرف بحجر الخير ، ويكنى بأبي عبد الرحمن بن عدي بن الحرث بن عمرو بن حجر المقلب بآكل المرار [ ملك الكنديين ] . وقيل هو ابن عدي بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين من كندة ( 1 ) ، ومن ذؤابتها العليا . صحابي من أعيان أصحاب علي وابنه الحسن عليهما السلام ، وسيد من سادات المسلمين في الكوفة ومن أبدالها . وفد هو وأخوه هانئ بن عدي على النبي صلى الله عليه وآله ، قال في الاستيعاب : " كان حجر من فضلاء الصحابة ، وصغر سنه عن كبارهم " ، وذكره بمثل ذلك في أسد الغابة ، ووصفه الحاكم في المستدرك بأنه : " راهب أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم " . وبلغ من عبادته أنه ما أحدث الا توضأ وما توضأ الا صلى . وكان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، وكان ظاهر الزهد ، مجاب الدعوة ( 1 ) ، ثقة من الثقات المصطفين ، اختار الآخرة على الدنيا حتى سلم نفسه للقتل دون البراءة من امامه ، وانه مقام تزل فيه الاقدام وتزيغ الأحلام . كان في الجيش الذي فتح الشام ، وفي الجيش الذي فتح القادسية ، وشهد الجمل مع علي ، وكان أمير كندة يوم صفين ، وأمير الميسرة يوم النهروان ، وهو الشجاع المطرق الذي قهر الضحاك بن قيس في غربي تدمر . وهو القائل : " نحن بنو الحرب وأهلها ، نلقحها وننتجها ، قد ضارستنا وضارسناها " . ثم كان أول من قتل صبرا في الاسلام . قتله وستة من أصحابه معاوية بن أبي سفيان سنة 51 في " مرج عذراء " بغوطة دمشق على بعد 12 ميلا منها . وقبره إلى اليوم ظاهر مشهور ، وعليه قبة محكمة تظهر عليها آثار القدم في جانب مسجد واسع ، ومعه في ضريحه أصحابه المقتولون معه وسنأتي على ذكرهم . وهدم زياد ابن أبيه دار حجر في الكوفة . إذا جهر بكلمته هذه ، وافقه أكثر من ثلثي الناس ، وقالوا : " صدق والله حجر وبر " . أما المغيرة بن شعبة فقد قدر المعنويات التي تعزز حجرا كصحابي فاضل ، وكرأس من رجالات علي في الكوفة ، وكأمير عربي يرث تاج الكنديين من أقرباء الجدود ، وسمع بأذنيه تأييد الناس دعوته غير آبهين بالقوة ، ولا خائفين نقمة السلطان ، فرأى أن يتمهل في أمره وأن يعتذر إلى ذوي مشورته الذين كانوا يحرضونه على التنكيل به . ثم قال لهم : " اني قد قتلته " . قالوا : " وكيف ذلك ؟ " قال : " انه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه ، فيأخذه عند أول وهلة فيقتله شر قتلة " . وكان المغيرة في موقفه من حجر المنافق الحكيم ، وكذلك كان فيما أجاب به صعصعة بن صوحان يوم فتنة المستورد بن علفة الخارجي سنة 43 قال له : " وإياك أن يبلغني عنك أنك تظهر شيئا من فضل علي علانية ، فإنك لست بذاكر من فضل علي شيئا أجهله ، بل أنا أعلم بذلك ! ! . ولكن هذا السلطان - يعني معاوية - قد ظهر ، وقد أخذنا باظهار عيبه للناس ، فنحن ندع كثيرا مما أمرنا به ، ونذكر الشيء الذي لا نجد من ذكره بدا ، ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقية ( 1 ) " . وولي ابن سمية الكوفة بعد هلاك المغيرة سنة 50 أو 51 ، فرأى أن يخدم أمويته " المزعومة " بقتل حجر بن عدي ليريحها من أكبر المشاغبين عليها . ولكنه جهل أن دم حجر سيظل يشاغب على تاريخ أمية ما عرف الناس هذين الاسمين . وأطال الوالي الجديد خطبته يوم الجمعة حتى ضاق وقت الصلاة - ولصلاة الجمعة وقتها المحدود - فقال حجر - وكان لا يفارق جمعتهم وجماعتهم - : " الصلاة ! " فمضى زياد في خطبته . فقال ثانيا : " الصلاة ! " فمضى في خطبته . وخشي حجر فوت الفريضة فضرب بيده إلى كف من الحصا ، وثار إلى الصلاة وثار الناس معه . وما كان أبو عبد الرحمن بمكانته الاجتماعية وبروحه العابدة الزاهدة بالذي يترخص في دينه أو يلجأ إلى مجاملة المترخصين ، وكان يظن ان في هؤلاء بقية من الحسن قد تنفعها الذكرى وقد يجدي معها الانكار ، فأنكر انتصافا للحق المهضوم ، وجاهد لدينه ولإمامه ولصلاته بلسانه ، كما كان يجاهد بسيفه في فتوح الاسلام . وجاءت قائمة جرائمه - في عرف بني أمية - أنه يرد السب عن علي عليه السلام ، وأنه يريد الصلاة لوقتها ، ولا شئ غير ذلك ! . ودعا زياد " حواشيه الطيعة " الذين كانوا يبادلونه الذمم بالنعم أمثال عمر بن سعد [ قاتل الحسين عليه السلام ] ، والمنذر بن الزبير ، وشمر بن ذي الجوشن العامري ، وإسماعيل واسحق ابني طلحة بن عبد الله ، وخالد بن عرفطة ، وشبث بن ربعي ، وحجار بن أبجر ، وعمرو بن الحجاج ، وزجر بن قيس . . و " درازن " أخرى من هذه النماذج التي طلقت المروءة ثلاثا ، وكانوا سبعين رجلا ، عدهم الطبري في تاريخه واحدا واحدا [ ج 6 ص 150 - 151 ] ، وماز من بينهم أبا بردة بن أبي موسى الأشعري لأنه كان أضعفهم عنده أو لأنه كان أقواهم عند معاوية ، وقال له اكتب : - " بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى الأشعري لله رب العالمين ! ! ، أشهد ان حجر بن عدي خلع الطاعة ، وفارق الجماعة ! ! ولعن الخليفة ، ودعا إلى الحرب ، وجمع اليه الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة ، وكفر بالله عز وجل كفرة صلعاء ! ! . . " . وقال للسبعين : " على مثل هذه الشهادة فاشهدوا . أما والله لأجهدن على قطع خيط هذا الخائن الأحمق ! ! " . فشهد على هذه الصحيفة الخائنة الحمقاء سبعون من اشراف الكوفة و " أبناء البيوتات " ! ! . . وكتب إلى معاوية في حجر وكثر عليه فكتب اليه معاوية : " شده في الحديد واحمله إلي " . › ولنتذكر هنا سوابق هذه الحفنة من أبناء بيوتات الكوفة في قضية الحسن بن علي عليهما السلام أيام خلافته ، وهل كان الفارون من الزحف في مسكن ، والمتألبون على الشر في المدائن ، والمكاتبون معاوية على الغدر بالامام وتسليمه إياه الا هؤلاء ؟ . فمن هو إذا الذي خلع الطاعة وفارق الجماعة ونكث البيعة أحجر بن عدي أم هم ؟ ثم لنتذكر مواقف هؤلاء أنفسهم في فاجعة الحسين عليه السلام بكربلاء ، وكانوا يومئذ سيوف الجبابرة الأمويين الذين تحملوا مسؤوليات تلك الاحداث المؤلمة التي لا حد لفظاعتها في تاريخ العرب والاسلام . موقف الكوفة في حادثة حجر وكان باستطاعة حجر ان يشعل نار الثورة التي تقض مضجع معاوية في الكوفة ، لو انه شاء المقاومة بالسلاح . وفهم معاوية ذلك حين راح يقول - بعد مقتل حجر - : " لو بقي حجر لأشفقت أن يعيدها حربا أخرى " ، وفهم زياد ذلك حين اتبع حجرا بريده وقال له : " اركض إلى معاوية وقل له : ان كان لك في سلطانك حاجة فاكفني حجرا " . ولكن الزعيم الشيعي الذي كان قد درس على الامام الحسن بن علي عليهما السلام تضحياته الغالية في سبيل حقن الدماء ، منع قومه من الحرب صريحا . ولكن جماعة من أصحابه اشتبكت بشرطة زياد و ( بخاريته ) عند أبواب كندة ، وجماعة أخرى التحمت بهم عند باب داره - قرب جبانة كندة - وكان من ابطال هاتين الموقعتين عبد الله بن خليفة الطائي ، وعمرو بن الحمق الخزاعي - وسنأتي على ذكرهما في الفصول القريبة - ، وعبد الرحمن بن محرز الطمحي ، وعائذ بن حملة التميمي ، وقيس بن يزيد ، وعبيدة بن عمرو ، وقيس بن شمر ، وعمير بن يزيد الكندي المعروف ( بأبي العمرطة ) . قالوا : " وكان سيف أبي العمرطة أول سيف ضرب به في الكوفة يوم حجر " . - وخرج قيس بن فهدان الكندي على حمار له ، يسير في مجالس كندة يحرضهم على الحرب . وحصب أهل الكوفة زيادا ( 1 ) - وكان ذلك هو ميراثه الشرعي من أمه سمية . أما حجر نفسه فأصر على قومه بأن يردوا السيوف إلى أغمادها ، وقال لهم : " لا تقاتلوا فاني لا أحب ان أعرضكم للهلاك . . وانا آخذ في بعض هذه السكك " . وأخطأته عيون زياد التي كانت تلاحقه ، لان الناس كلهم أو أكثر من ثلثي الناس كانوا يمنعون حجرا من هذه العيون . وهكذا ضاق زياد بحجر وأصحابه ، فجمع اشراف الكوفة وقال لهم : " يا أهل الكوفة : أتشجون بيد وتأسون بأخرى ، أبدانكم معي ، وأهواؤكم مع حجر ، أنتم معي واخوانكم وأبناؤكم وعشائركم مع حجر . هذا والله من دحسكم وغشكم . والله لتظهرن لي براءتكم ، أو لآتينكم بقوم أقيم بهم أودكم وصعركم " . . ثم قال : " فليقم كل امرئ منكم إلى هذه الجماعة حول حجر . فليدع كل رجل منكم أخاه وابنه وذا قرابته ومن يطيعه من عشيرته ، حتى تقيموا عنه كل من استطعتم أن تقيموه " . ثم أمر زياد أمير شرطته [ شداد بن الهيثم الهلالي ] بالقبض على حجر . وعلم ان شرطته ستعجز عنه ، فدعا محمد بن الأشعث الكندي ، وقال له : " يا أبا ميثاء ، أما والله لتأتينني بحجر ، أو لا ادع لك نخلة الا قطعتها ، ولا دارا الا هدمتها ، ثم لا تسلم حتى أقطعك إربا إربا ! " قال له : " أمهلني حتى أطلبه " . قال " أمهلتك ثلاثا ، فان جئت به والا عد نفسك في الهلكى ! " . أقول : ولم كل هذا الحنق ؟ أللدين وما كان ابن سمية بأولى به من الصحابي العابد الذي كان يصلي كل يوم وليلة الف ركعة ، ثم لا ذنب له الا أن ينهى عن المنكر ويريد الفرائض لوقتها ؟ ! - أم للدنيا ، وقد خسروا في مقتل حجر صبابة معنوياتهم في التاريخ ! ! وحاول زياد ان يقتل الكنديين بعضهم ببعض بما أمر به ابن الأشعث الكندي ، وكان ذلك من جملة الأساليب الرثة التي يتوارثها الحاكمون بأمرهم في الشعوب المغلوبة على أمرها في القديم والحديث . وعلم حجر ما أراده زياد في الكنديين وأصحابهم فقال : " ولكن سمع وطاعة " . ودارت الشرطة للقبض على الأسماء البارزة من مؤازريه ، فجمعوا تسعة من أهل الكوفة وأربعة من غيرها - برواية المسعودي - . وعدهم ابن الأثير هكذا : " حجر بن عدي الكندي ، والأرقم بن عبد الله الكندي ، وشريك بن شداد الحضرمي ، وصيفي بن فسيل الشيباني ، وقبيصة بن ضبيعة العبسي ، وكريم بن عفيف الخثعمي ، وعاصم بن عوف البجلي ، وورقاء بن سمي البجلي ، وكدام بن حيان ، وعبد الرحمن بن حسان العنزيان ، ومحرز بن شهاب التميمي ، وعبد الله بن حوبة السعدي التميمي " . قال : " فهؤلاء اثنا عشر رجلا . واتبعهم زياد برجلين وهما : عتبة بن الأخنس من سعد بن بكر ، وسعد بن نمران الهمداني . فقوموا أربعة عشر رجلا " . ونشط - إذ ذاك - المشاؤون بالنميم ، وما كان أكثرهم في هذا البلد المنكوب ! ومكث حجر في سجن الكوفة عشرة أيام حتى جمعوا اليه من أصحابه من ذكرنا ، ثم أمر بهم فسيقوا إلى الشام . وكان كل ما في الكوفة يدل على تمخض الوضع عن وثبة لا يدرى مدى بلائها على الحاكم والمحكوم . ولكن زيادا فطن إلى ذلك ، فأمر باخراجهم " عشية " ليتستر بالظلام ، فيخفف من عرامة هذا الظلم المفضوح . ونظر قبيصة بن ربيعة - أحد أصحاب حجر - فإذا هو يمر على داره في جبانة " عرزم " وإذا بناته مشرفات يبكينه ، فكلمهن ووعظهن بما سنأتي على ذكره عند ترجمته ، ثم انصرف . وأنشأت ابنة حجر في احدى لياليها السود وقد قطع الخوف على أبيها نياط قلبها وهي تخاطب القمر - وقيل بل الأبيات لهند بنت زيد الأنصارية ترثي حجرا : ترفع أيها القمر المنير * * * لعلك أن ترى حجرا يسير يسير إلى معاوية بن حرب * * * ليقتله كما زعم الأمير ويصلبه على بابي دمشق * * * وتأكل من محاسنه النسور تجبرت الجبابر بعد حجر * * * وطاب لها الخورنق والسدير وأصبحت البلاد له محولا * * * كأن لم يحيها مزن مطير ألا يا حجر حجر بني عدي * * * تلقتك السلامة والسرور أخاف عليك ما أردى عليا * * * وشيخا في دمشق له زئير فان تهلك فكل عميد قوم * * * من الدنيا إلى هلك يصير * * * مقتله وصاروا بهم إلى عذراء ، وكانت قرية على اثني عشر ميلا من دمشق ، فحبسوا هناك ، ودار البريد بين معاوية وزياد ، فما زادهم التأخير الا عذابا . وجاءهم أعور معاوية في رهط من أصحابه يحملون أمره بقتلهم ومعهم أكفانهم فقال لحجر : " أن أمير المؤمنين أمرني بقتلك يا رأس الضلال ! ! . . ومعدن الكفر والطغيان ! ! . . والمتولي لأبي تراب ، وقتل أصحابك الا أن ترجعوا عن كفركم ، وتلعنوا صاحبكم وتتبرأوا منه " - فقال حجر وأصحابه : " ان الصبر على حد السيف لأيسر علينا مما تدعوننا اليه ثم القدوم على الله وعلى نبيه وعلى وصيه أحب الينا من دخول النار " . وحفرت القبور ، وقام حجر وأصحابه يصلون عامة الليل ، فلما كان الغد قدموهم ليقتلوهم فقال لهم حجر : " اتركوني أتوضأ وأصل فاني ما توضأت الا صليت " . فتركوه فصلى ثم انصرف ، وقال : " والله ما صليت صلاة أخف منها ، ولولا أن تظنوا في جزعا من الموت لاستكثرت منها " . ثم قال : " اللهم انا نستعديك على أمتنا ، فان أهل الكوفة شهدوا علينا ، وان أهل الشام يقتلوننا ، أما والله لئن قتلتموني بها ، فاني لأول فارس من المسلمين هلك في واديها ، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها ( 1 ) " . ثم مشى اليه هدبة بن فياض القضاعي بالسيف ، فارتعد - فقالوا له : " زعمت أنك لا تجزع من الموت ، فابرأ من صاحبك وندعك ! ! " . فقال : " مالي لا أجزع وأرى قبرا محفورا ، وكفنا منشورا ، وسيفا مشهورا ، واني والله ان جزعت من القتل ، لا أقول ما يسخط الرب ! " . وشفع في سبعة من أصحاب حجر ذوو حزانتهم من المقربين لدى معاوية في الشام . وعرض الباقون على السيف ، وقال حجر في آخر ما قال : " لا تطلقوا عني حديدا ، ولا تغسلوا عني دما ، فاني لاق معاوية غدا على الجادة واني مخاصم " . وذكر معاوية كلمة حجر هذه فغص بها ساعة هلك - معاوية - فجعل يغرغر بالصوت ويقول : " يومي منك يا حجر يوم طويل " . فأذنت له ، فلما قعد قالت له : يا معاوية أأمنت ان أخبئ لك من يقتلك ؟ قال : بيت الامن دخلت ، قالت : يا معاوية أما خشيت الله في قتل حجر وأصحابه ؟ ( 1 ) " . وقالت : " لولا انا لم نغير شيئا الا صارت بنا الأمور إلى ما هو أشد منه لغيرنا قتل حجر ، أما والله ان كان ما علمت لمسلما حجاجا معتمرا ( 2 ) " . وكتب شريح بن هاني إلى معاوية يذكر حجرا ويفتيه بحرمة دمه وماله ويقول فيه : " انه ممن يقيم الصلاة ، ويؤتي الزكاة ، ويديم الحج والعمرة ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، حرام الدم والمال ( 3 ) " . وكان ابن عمر - منذ أخذ حجر - يتخبر عنه فأخبر بقتله وهو بالسوق فأطلق حبوته وولى وهو يبكي ( 4 ) . ودخل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام على معاوية وقد قتل حجرا وأصحابه ، فقال له : " أين غاب عنك حلم أبي سفيان ! ؟ " قال : " غاب عني حين غاب عني مثلك من حلماء قومي ، وحملني ابن سمية فاحتملت ! ! " قال : " والله لا تعد لك العرب حلما بعد هذا أبدا ولا رأيا ، قتلت قوما بعث بهم إليك أسارى من المسلمين . . " . وقال مالك بن هبيرة السكوني حين أبى معاوية أن يهب له حجرا ، وقد اجتمع اليه قومه من كندة والسكون وناس من اليمن كثير ، فقال : " والله لنحن اغنى عن معاوية من معاوية عنا وانا لنجد في قومه ( 5 ) منه بدلا ولا يجد منا في الناس خلفا . . " . وقيل لأبي اسحق السبيعي : " متى ذل الناس ؟ " فقال : " حين مات الحسن ، وادعي زياد ، وقتل حجر بن عدي ( 6 ) " .وقال الحسن البصري : " أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن الا واحدة لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها - يعني الخلافة - بغير مشورة منهم ، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة ، واستخلافه ابنه بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير ، ويضرب بالطنابير ، وادعاؤه زيادا ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وقتله حجرا . ويل له من حجر وأصحاب حجر - مرتين - ( 1 ) " . ومات الربيع بن زياد الحارثي غما لمقتل حجر ، وكان عاملا لمعاوية على خراسان . قال ابن الأثير ( ج 3 ص 195 ) : " وكان سبب موته أنه سخط قتل حجر بن عدي ، حتى انه قال : لا تزال العرب تقتل صبرا بعده ، ولو نفرت عند قتله ، لم يقتل رجل منهم صبرا ، ولكنها قرت فذلت ، ثم مكث بعد هذا الكلام جمعة ، ثم خرج يوم الجمعة فقال : أيها الناس ، انى قد مللت الحياة فاني داع بدعوة فأمنوا . ثم رفع يديه بعد الصلاة فقال : اللهم ان كان لي عندك خير فاقبضني إليك عاجلا ، وأمن الناس - ثم خرج ، فما توارت ثيابه حتى سقط ( 2 ) " . وكتب الحسين عليه السلام إلى معاوية في رسالة له : " ألست القاتل حجرا أخا كندة ، والمصلين العابدين ، الذين كانوا ينكرون الظلم ، ويستعظمون البدع ، ولا يخافون في الله لومة لائم ؟ . قتلتهم ظلما وعدوانا من بعدما كنت أعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة [ يشير إلى نصوص المادة الخامسة من معاهدة الصلح ] أن لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ولا بإحنة تجدها في نفسك عليهم ( 3 ) " . ثم جاء دور التاريخ فخصص نصر بن مزاحم المنقري كتابا في مقتل حجر بن عدي ، ولوط بن يحيى بن سعيد الأزدي كتابا ( 4 ) ، وهشام بن محمد ابن السائب كتابا في حجر ، وكتابا آخر في مقتل رشيد وميثم وجويرية بن مشهر ( 1 ) " . ‹ ولقي معاوية في حجته " المقبولة . . " بعد قتل هذه الزمرة الكريمة ، الحسين بن علي عليهما السلام في مكة ، فقال له - مزهوا - : " هل بلغك ما صنعنا بحجر وأصحابه وأشياعه شيعة أبيك ؟ " . قال : " وما صنعت بهم ؟ " قال : " قتلناهم وكفناهم وصلينا عليهم ودفناهم ! ! " فضحك الحسين عليه السلام ، ثم قال : " خصمك القوم يا معاوية ، لكنا لو قتلنا شيعتك ، ما كفناهم ، ولا صلينا عليهم ، ولا قبرناهم ( 1 ) " . * *