[b][i] دعبل الخزاعي ..شاعر قلما يجود الزمان بمثله
......دعبل الخزاعی
1ـ تاریخه: ولد دعبل فی الكوفة سنة 148هـ / 765 م. .
قصد بغداد فنال عند الرشید حظوة و تشجیعا. كان علویا متعصبا لآل البیت فهجا العباسییّن؛ و قد أكثر من التجول ، وفي ولّی علی أسوان. وفی سنة 246 هـ / 860 م قتل بسبب سلاطة لسانه.
2ـ أدبه: له شعرمبثوث في كتب الأدب و أكثره فی الهجاء و فی مدح اهل البیت و رثائهم.
3ـ شاعرالهجاء: كان دعبل مبغضا لخلفاء بنی العباس و لأعداء آل البیت (ع).
4ـ شاعر المدح و الرثاء: أجمل شعره المدحیّ و الرثائی فی آل البیت؛ و هو یذوب رقّة و سلاسة و صدق عاطفة.
5ـ قیمة شعره: دعبل نزاع الی البادیة و أسالیبه ، و شعره حافل بالسلاسة و الإنسجام و السهولة. و هو لا یخلو من التصنیع و التنمیق.
دعبل الخزاعی شاعر المدح و الرثاء
1ــ تاریخه:
هو دعبل بن علیّ بن رزین الخزاعیّ الأزدریّ، و كنیته أبوعلیّ. ولد فی الكوفة سنة 148 هـ / 765 م، و تخرّج فی الشعر علی مسلم بن الولید، ونحا ناحیة بغداد و اتّصل بالرّشید فلقی لدیه حظوة و تشجیعاعلی قول الشعر. و بعد موت الرشید لم یتّصل دعبل بأحد من الخلفاء العباسیین ، بل عاداهم و هجاهم لأنه كان علویّا و یرید الإمامة للعلویین، و قضی حیاته قلقا ناقما ینتقل من مكان الی مكان ، و فی نحو سنة 815 ذهب الی الحجّ ثم الی مصر حیث آواه أمیرها المطّلب بن عبدالله بن مالك الخزاعی وولاّه علی مدینة أسوان ثم طردّه بعدما بلغه أنه هجاه، وممّا جاء فی ذلك الهجاء:
أمـــطلب أنـت مســتعذب سمسام الأفاعی و مستقبل
ستأتیك إماوردت العراق صــحائف یأثــرها دعبــل
مــنــمقة بــــین أثنائـــــها مــخاز تــخط فــلا ترحـل
وظلّ دعبل علی هذه الحال لا یسلم أعداء آل البیت (ع) من هجائه سواء أحسن إلیه أو لم یحین الی أن قتل سنة 246 هـ / 860 م.
2ــ أدبه:
جاء فی معجم الأدباء لیاقوت أن لدعبل كتاب « طبقات الشعراء » و دیوان شعر. ولكنّ هذا الدیوان لم یصل إلینا منه إلا بعض الهجاء و الرثاء و المدح و بعض
المقطوعات المختلفة الموضوعات.
3ــ شاعر المدح و الرّثاء:
أكثر مدح دعبل فی آل البیت (ع) من العلویین ، و كان مدحه ورثاؤه لهم حافلین بالعاطفة الصادقة، حافلین بالتوجّع، نتصاعد من أوزانها و قوافیها موسیقی لیّنة تفیض حنانا. و من أشهر شعره فیهم قصیدته التّائیّة، و هی من أشهر الشعر و أحسنه ، قال فیها راثیا و مادحا:
مدارس آیات خلت من تلاوة، و منزل وحی مقفر العرصات...
قفا نسأل الدّارالتی خفّ أهلها، متی عهدها بالصوم والصّلوات؟
وأین الألی شطّت بهم غربة النوی أفــانین فـی الآفــاق مـفترقات
هم أهل میراث النبی إذاعتزلوا و هم خیر قادات و خیر حماة...
جاء فی معجم الأدباء: « قصیدته التّائیة فی أهل البیت من أحسن الشعر و أسنی المدائح ، قصد بها أبا علّی بن موسی الرّضا بخراسان فأعطاه عشرة آلاف درهم و خلع علیه بردة من ثیابه... و یقال إنه كتب القصیدة فی ثوب و أحرم فیه و أوصی بأن یكون في أكفانه.»
4ــ قیمة شعره:
دعبل نزّاع أبدا الی البادیة بأسلوبه، و كلامه علی حدّ قول البحتری « أدخل في كلام العرب من كلام مسلم بن الولید، ومذهبه أشبه بمذاهبهم.»
و دعبل ذو قریحة فیّاضة، توسل الشعر ممتثلا بالسلاسة و الإنسجام و السهولة ، و هو ذو حیویّة نبّاضة تبعث فی شعره حیاة و حركة . و هو، علی تبدّیه ، لا یهمل فی شعره جانب التصنیع ، فیعمد الی البدیع و یوشّی به أقواله فی اقتصاد واتزان.
دعبل الخزاعی و مكانته الادبیة و الشعریة
لا یزید ما تبقی فی أیدینا من شعر دعبل بن علی الخزاعی الی الیوم عن الالف بیت و هو قدر ضئیل إذا قیس الی مجموع شعره الذی صنعه فی نهایات القرن الثالث و اوائل القرن الرابع صائع الدواوبین المعروف ابوبكربن یحیی الصولی ( ت 220 هـ )، فی ثلاثمائة ورقة علی ما یقول ابن الندیم صاحب الفهرست (227)، عدّة أبیاتها نحو من عشرة آلاف بیت. و اكثر ما تبقی منها الیوم مقطعات قومه من الیمانیة ، و استثنینا معهما قصائد اخری قلیلة لا یبعد أن یكون بعضها اجتزئ اجتزاء من الدیوان أو نقل من الختیار الذی صنعه ابن طیفور احمد بن أبی طاهر (ت: 280هـ) فی النصف الثانی من القرن الثالث ، أو إجتزئ منه ایضا. و نرجح ان تكون نسخة من نسخ الدیوان الذی صنعه الصولی ، غیر بعیدة من حیاة دعبل التی انتهت فی منتصف القرن الثالث (246هـ)، انتهت الی صلبه، مع نسخة من كتابه المعروف (طبقات الشعراء). وأشار إلیهما فهرس الكتب الذی ضمّ ما یقرب من اسماء الف كتاب انتخبها صانعه المجهول، لخرم وقع في اولی صفحاته، مما وجده في خزائن الكتب بحلب أواخر القرن السابع (694هـ) و سمّاه (المنتخب مما في خزائن الكتب بحلب)، ونشره أحد المستشرقین في القاهرة (paulslath) سنة 1945 م ولا یبعد كثیرا فی رأینا أن نقع علی هذه النسخة من الدیوان، فی یوم من الایام ، في إحدی خزائن الكتب، في الشرق أو الغرب، وقد نقع معها علی نسخة كتابه في (طبقات الشعراء). و حینذاك ینفع المجموع الذی صنفّناه في هذا القرن من شعر دعبل،و من مقطّعات كتابه (طبقات الشعراء) فی التوثیق و الموازنة. فأما الیوم فلا مفرّ من أن نكتفی بهذا القدر المجموع من شعر الإشارات التی نقع علیها فی مصادرنا الأدبیة، إلی كتابه الآخر ( الواحدة فی مناقب العرب و مثالبها ).
في درس هذا الشاعر و فی تحدید مكانته الادبیة و الشعریة بین أدباء العرب و هو موضوع كلامنا الیوم علی أننا ینبغی ــ لمّا نذكر من ضیاع شعره و كتبه ــ أن نتحوّط في أحكامنا، و إن كنا بصورة عامة نقترب فیها كثیرا من احكام القثدامی الذین كان مجموع شعر الشاعر و كتبه في أیدیهم . ومن هنا تكتب بعض احكام القدامی اهمیتها فی الدرس الیوم.
بما یجعلنا علی نحو ما ــ نطمئن الی صواب أحكامنا، أو إلی قربها من الصواب، و لكنا مع ذلك ، نرید نتجاوز إلی أحكام اعم في تحدید مكانة الشاعر من شعراء العرب في القدیم ، و في ما یمكن أن یؤدیه هو و شعره لحیاتنا من النضج الأدبي و الإجتماعی و السیاسي جمیعا، فإنا الیوم و نحن فی مرحلة من أقسی مراحل تاریخنا مند ظهور الإسلام الی الیوم، احوج ما نحتاج إلی من یعلمنا الصبر علی النضال و التمسك بالحق و التضحیة في نصرته بما هو أغلی من الحیاة، یأمن النفس و سكینتها و استقرارها علی نحو ما فعل دعبل الخزاعی للفوز بما هو أغلی من الحیاة ایضا: كرامة الإنسان و سلامة الضمیرو شرف العقیدة.
ثم إننا في حاجة الی أن نتعلم الیوم أنّ للمعارضة في إطار كلّ نظام سیاسي و اجتمعاعي، الحقّ في ان یكون لها صوتها، و أن تمتلك القدرة علی نقله الی الناس، و أن یسمعه الناس منا آمنین علی أرواحهم و اموالهم و حریاتهم . ثم أن یكون لهم الحق بعدها في أن یختاروا مذاهبهم في التفكیر و التعبیر المشروع عنها. و هو ما قضی دعبل حیاته فی الدفاع عنه، مطاردا مشرّدا في الآفاق، یحمل خشبته علی كتفه ــ كما قال ــ لا یجد من یصلبه علیها. ثم إنّ في شعر دعبل من قوة الروح، و حرارة التفكیر، و سطوع الوجدان و قدرة التأمل في الاشیاء و جمال تصویرها، و التعبیر عنها، و عن المعانی و القیم التي الداره علیها، ما نغنی به ثقافتنا الی الیوم، و نجمل حیاتنا، و نمدّ آفاقها الی حیث تلامس ضمیر كلّ البشریة التي تدافع بشرف عن مستقبل الانسان. و فی كتبه من المعرفة بالشعر و طبائع الناس و اختلاف الاقوام ما یضاف إلی ثروتنا الثقافیة ، و یزید من معرفتنا بأنفسنا. من هذا الذی قلنا یقع تحدید مكان دعبل ، و مكان شعره و أدبه، من ادب العرب و أدبائهم . لقد عاش دعبل ما یقرب من قرن كامل « من منتصف القرن الثانی الی منتصف القرن الثالث»، في أزهی عصور بنی العباس ، و هو العصر الذی بدأ فیه العرب ینتقلون من طور الترجمة ؛ ترجمة ثقافات الامم التی خالطوها، الی طور التمثل و النظر.
وبدأ علماؤهم و نقادهم یجمعون معارفهم العلمیة و النقدیة في رسائل و كتب أنشئت المكتبات الضخمة لا حتوائها و تنظیمها، و نشأت تیارات فكریة، و مذاهب فلسفیة تحاول أن توفق بین العقل و الدین، بین ما تدعو الیه الحیاة المتطورة، و ما یملیه الوحي. بین ما تقود الیه الحضارة المزدهرة من یقظة الحواس، و ما تلزم به أخلاقیات الدین من التماسك و التعفف و الزهد في متع الحیاة و لذائذها، و شهوات الجسم التی تیسّر لها سبل الإشباع في هذا العصر علی كل وجه.
یستوی في التأثر النسبي بهذا المناخ الحضاري: الحاكم و المحكوم علی السواء، و العالم و الجاهل و الغنی و الفقیر و یكون الشاعر بحكم تكوینه أشدّ تأثرا به، و أقدر علی التعبیر عن متناقضاته. ابونواس مثلا في هذا العصر ، و بشهادة شعره أیضا العالم بالحدیث و التفسیر، و المطلع علی التاریخ و سیر رجاله و أنبیائه ، وعلی مجمل مقولات العصر الفكریة و الفلسفیة ، و تراث العرب الادبي. و خلیفة مثل المأمون مثلا حیّ الفكر، بالغ الحرص علی التوحید في رأیه، بالغ الحرص علی هیبة الخلافة و مكانتها ، و منشی دار الحكمة، و منشّط الثقافات و رأعیها، یدخل علیه أحد شهود العیان ــ في قول ابي الفرج: الأغاني 19 / 128 ــ فیری بین یدیه ــ فی أحد الأعیادــ عشرین و صیغة ، قد تزنرن و تزین بالدیباج، و علقن في أعناقهن صلبان الذهب، و في أیدیهنّ أغصان الزیتون. فلم یزل المأمون ــ في قول شاهد العیان ــ یشرب، و الوصائف یرقصن بین یدیه حتی سكر، فأمر أن ینثر علی الجواری ثلاثة آلاف دینار! فدعبل أبن هذا العصر بمجمل تیاراته ، و مذاهبه الفكریة و الأخلاقیة و تقالیده الإجتماعیة و الثقافیة: إطلع علی تراث العرب، كما اطلع علیه الشعراء في عصره. و ألّف في الأدب و غیره كتابا، كما ألف بعض معاصیره من الشعراء ( مثل أبي تمام و البحتري ). و تكسب بالشعر في بعض مراحل حیاته، كما تكسب غیره في بلاط العباسیین ، و إن لم یحفظ التاریخ بعض مدائحه فیهم و شهد ــ بشهادة شعره هنا ــ مجالس اللهوو العبث و الشراب، و وصف الخمرة و صفا قریبا من وصف شعرائها في هذا العصر، و في غیره. و دافع عن قومه من الیمنیة و هجا المضریة ، علی نحو ما فعل كثیر من شعراء العصر. و دعته الحاجة، كما دعت بعضا من الشعراء الی اخافة الناس، و تمزیق حرماتهم و العبث بأنسابهم ، لیدفعهم الی البذل و المسارعة الی العطاء. و تبذل في الهجاء أحیانا، تبذیلا مروّعا، لم یرع فیه قیمة من القیم الإجتماعیة، نحو ما فعل مع ابن وهب و القاضی ابی دوّاد ( انظر شعر دعبل ــ فهرس الأعلام ): و كان یمكن أن یقف دعبل عند هذا الحدّ، و احدا من شعراء العصر الذین أحسنوا المدیح لنفع أنفسهم ، و كان یمكن أن یقف دعبل عند هذا الحدّ، واحدا من شعراء العصر الذین أحسنوا المدیح لنفع أنفسهم، و احسنوا الهجاء، وأمعنوا فیه ، و مضوا علی سنّة الشعراء المجیدین في الوصف و رثاء الاهل و الاصدقاء، و الفخر بأنفسهم و بشعرهم و أقوامهم و الدفع عنها ، و مداعبة بعض الكتّاب و الجیران و شكوی الزمان و عذر الاخوان. و الزهو بأتققان أداته الشعریة (اللغة) و وعي غریبها، و الاطلاع علی مناقب قومه، و المبالغة فیها و بما أشاعت من أساطیر تاریخها، و علی مثالب خصومهم ، و التزید فیها، و خلطها بروایات التاریخ و بعض كتب الادیان. كان یمكن أن یقف دعبل عند هذا الحد لولا تمیّز و أفرده من شعراء العصر علی نحو مثیر، و أفردوه ــ مع شعراء قلیلین ــ من شعراء العرب قاطبة علی مدی العصور. هذا التمییز هو الایمان بحق آل البیت (ع) المهدور، و بما حاق بهم من ظلم الامویین و العباسیین و عمالهم ، و ملاحقتهم و تشریدهم ، و تقتیل ساداتهم بالسیف احیانا و بالسمّ احیانا أخری، و تعلیق رؤوسهم و جثثهم علی الاعواد، أو الطواف بها في انحناء الدولة.
هذا الإیمان هو الذی رفع الشاعر في تاریخ الادب العربی الی مرتبة شعراء القصائد المضطهدة، و رفع شعره الی مرتبة الدعوات ذات المحتوی الانسانی الباهر الاثر فی تاریخ الكفاح من أجل العدالة، و صدق السلوك، و جدارة الحاكم، و إستقامة معنی الحكم. سواء بعدها أن یكون الذی أوقف الشاعر ــ في رأینا ــ موقفه التاریخی هذا میل الی التمرد علی كل نظام سائد، بحكم تكوینه النفسي ، كما یقول البعض ( العقاد: مراجعات في الفن و الآداب و الفنون 164 )، أو النهوض الی نصرة المظلوم و احقاق الحق فی رأیه، و الاتزام بشرع الله ، فانّ ذلك یظل اجتهادا في الرأی تسوق الیه جملة من اخبار الشعر التی نقلتها الروایات الینا و نحن نری أن نلتزم شعر الشاعر في مثل هذه الأحكام، فهو الوثیقة الحیّة التي لا یسهل تحریفها، أو تزویرها. و شعره الذي یصور موقفه من نظام العصر السیاسي ، ما اصاب آل البیت (ع) فیه ، و فی ما تقدمه من العصور لم تمله نفس فطرت علی التمرد، أو جبلت علی الشر، و قطع الطریق علی الناس، كما تقول بعض مصادرنا الأدبیة، ولكن تملیه نفس مرهفة مستوحشة مأزومة، تفتقد العدل و تستشعر جبروت الباطل و قدرته علی البطش و التنكیل، و تنكره لمعانی الرحمة، و التعفف عن أذی النفوس التی تعجز عن مواجهة الشر بالشر، لأنها تتمسك بأخلاق النبوات و تقالید حملة الرسالات ، فتصبر علی الآذیة ، و تعف عن الثأر:
ألم ترأنّي مذثلاثون حجة أروح و أغدو دائم الحسرات؟
أری فیئهم في غیرهم متقسما و أیدیهم من فیئهم صــفرات
فال رسول الله نحف جسومهم و آل زیـاد غلــظ الفــقرات
بنات زیاد في القصور مصونة و آل رسول الله في الفلوات
إذا وترو امدّوا الی واتریهم أكفا عن الاوتار منقبضات
و التزامه دعوة آل البیت (ع)، و انضواؤه تحت لوائهم لم یملها ــ في شعره، و هو أصدق الشهادات علیه، اذ یضع فیه من ذات نفسه طبیعته الفنیة ــ لم یملهما حساب المنافع العاجلة كما تقول بعض الروایات ( مثل موت المأمون: ألاغاني 20/107)، ولا الوحشة بالواقع و افتقاد المثال، و الإحساس بمرارة الهزیمة القبلیة، و لكن تملیها فیه ــ و ربما قبله ــ محبة عمیقة لآل البیت (ع)، و موالاة تهتز لها احیانا موالاة القبیلة نفسها:
یا أمة السوء!ما جازیت أحمد عن حسن البلاء علی التنزیل و السدر
خلفتـموه علی الأبناء حین مضی خلافـة الذئـب في أبـقار ذي بقــر
ولـیـس حیّ من الأحیـاء نـعلمـه من ذی یمان ومن بكر ومن مضر
الاّ و هــم شـركاء فی دمـادئــهم كـما تشاركـت ایــسار علی جـزر
قتلا و اســرا وتـحریقا و مــنهبة
فعل الغزاة بأرض الروم والخزر
و هذه شهادة المحبة التي لنفسه ، یرجو أن یجعلها عدة لیوم الحساب و یهجر أهله و یطوف مشرا فی الآفاق و یحمل علی كتفیه عدوات و یحمل علی كتفه خشبته فلا یری من یصلبه علیها :
ملامـك فـي آل النبـي فانهم أحبائی ما عاشوا و اهل ثقاتی
تخیرّتهم رشدا لامری فانهم علی كل حال خیرة الخیـرات
نبذت الیـهم بالـمودة جاهـدا وسلمت نفسی طائـعا لولاتـی
فیارب زدنی من یقینی بصیرة وزد حبّهم یارب فی حسناتی
احبّ قصی الرحم من أجل حبكم وأهجر فیكم اسرتي و بناتي
لقد حفت الایام حولی بشرها وانی لا ارجوالامن بعدوفاتی
أحاول نقل الشمس من مستقرّها واسماع الحجار من الصّلدات
قصاراتي منهم أن أووب بغصة تردد بین الصـدر و اللـهوات
كأنك بالاضلاع قد ضاع رحبها لما ضمنت من شدة الزفرات
وفي موضوع آخر یقول:
بأبي و أمی خسة احببتهم للـه لا لطیـعة أعطـاها
بأبی النبی محمد و وصیّه الطیبین و بنته وابناها
ان الذي میز دعبلا في تاریخ ادبنا، و افرده من شعراء عصره ، و رفعه من حضیض التكسب، و ارهاب الناس باذیة اللسان الموهوب، و غطی علی تبذله و فنحشه أحیانا هو هذا الایمان الذی نقله من صعید الشعراء الكسبة الی صعید أصحاب العقائد الذین عقائدهم بأسلوب حیاتهم، و قبلوا أن یدفعوا ضریبة الاخلاص لما قنعوا به، ووهبوا إنفسهم له . فهذا أحد المیادین الذیین كتب فیها دعبل مجده الشعري الخالد و اشرافها و المیدان الثاني هو الهجاء. و الذی قاد الیه هو الذي قاد ابن الرومي بعده، و قاد الحطیئة وبشارین برد قبله: الحاجة و افتقاد الامن ، و رفض الواقع الإجتمعاعي و السیاسي القائم ، و الأحساس العمیق بقدرة الباطل علی صیاغة الحیاة ، وفق اهوائه الجامحة و لمثل هذه الاسباب المتنبی وناسه,وهجا المعری زمانه المضطرب ورجاله؛وماشاع فیه من ضروب الفساد والمتاجرة بالدین وقیمه.فهولاء ومن سلك مسلكهم من شعراءالعرب,كانوا یناضلون فی الساحة التی وجدوا أنفسهم فیها,ویقاتلون بالاسلحة التی یحسنون استعمالها.ولأن دعبلا صاحب عقیدة راسخة,بدأهجاوه فی الساحة السیاسیة أكثر حدة وثباتا من هجاءالآخرین,لأنه اكثرهم احساسا بالمرارة,واكثرهم مقتا,لایكاد یساویه فیه الا ابن الرومی.فلهذا امتازا فی تاریخ الهجاء العربی كله.حتی كان كأنه یكون قاعدة حیاتهما الشعریة,ومن هنا یجیئ بیت المعری:لوانصف الدهر هجا نفسه كأنه الرومی أو دعبل. ولیس سحیحا مایقول العقاد فی الموازنة بین هجاءالرجلین(ابن الرومی:حیاته وشعره)فقد نسب ابن الرومی فی الهجاءالی الرغبة فی الفن واجادة التصویر,ونسب دعبلا الی الرغبة فی ایجاع المهجو بالشتیمة والسباب؛فالأول عنده شاعر یستهویه تجوید فنه,والثانی قاطع طریق تستهویه الشطارة.ویعرض بما تروی الروایات عن نشأته فی الكوفة وتشطره فیها وهذاواحد من أبرز احكام العقاددلالة علی فساد التعمیم, والاسراع فیه,والجری الدائم ووراءالتعقیدات والتماس مفاتیح الشخصیات التی یتصدی لدرسها بما یملك من قدرات ذهنیة جبارة:فالناس لیسوا قوالب ساكنة,والنفس الانسانیة اعقد من أن تكون مادة تدرس تحت المجهر.ولو أتیح للعقاد الاطلاع علی نماذج من هجاءدعبل,لم یطلع علیها,لبعد مصادرها عنه آنذاك,ولأكتفائه منها بما جاء فی الاغانی ,علی الاغلب,لكان ربمااتجه فی الموازنة اتجاها آخر ثم انه اصدر حكمه,ودیوان ابن الرومی فی یده,ولیس فی یده من شعر دعبل علی الارجح غیر هذه المقطعات الخفیفة التی اختارهاابوالفرج لطرافتها,وصاغها دعبل لتسیر علی السنة الناس,ویعبث بهاالصبیان,كما تقول الروایات,وكما یقول دعبل نزوعا واضحا الی التصویر.یقول فی هجاءاحمد بن خالد الأحول,كاتب المأمون,وكان داهیة شرها,عظیم البطن,فیما یبدو,اجری علیه المأمون الف درهم فی الیوم لمائدته,لیمتنع من قبول هدایاالناس: وكــان أبـــوخالد مرأة اذا بـــات مـــتخما قـــاعدا
یــــضیق بأولاده بـــــطنه فـــــیخراهم واحـدا واحـدا
فقد ملأ الارض من سلمه خـــنا فس لاتشــبه الوالدا
فهذه صورة حیة متحركة,یستخدم لها دعبل فعلین مضارعین یتصوران الرجل فی حال المخاض الغریب(یضیق بأولاده بطنه...واحدا واحدا)كأن عملیة الولادة تشخص فی عین السامع (واحدا...واحدا),هی عملیة یستمد صورتها وموادها من حیاة المهجو نفسه,ومن تكوینه الجسمی والنفسی,ومن صورته العامة فی أعین الناس.
ومن نماذج هجائه التی لم یطلع علیها العقاد,ولم بعرفها الناس الا من من وقت قریب, فی التائیة الكبیرة الثانیة التی یفخر فیها بنفسه وشعره,واختارها ابوحیان التوحیدی فی بعض اجزاء البصائر والذخائر التی نشرت منذ سنوات قلیلة:
كم عین ذی حــول فـقات نـاظرها وكم قطعت لأهل الغـل من حــمة
كم من عدو تحامانی و قد نشبت فـیه المـخاطب یـعدو عدو مـنفلت
لوعـاش كـبشا تـیم ثـمت استمــعا شعری لما تاومات الوغد ذو الرمـة
فـصاربـالعدوة القــصوی مــورقة خوفی , فبات و جاش القلب لم یبت
فالصورة هنا هی التی تستهوی دعبلا:صورة اللیث یزمجر فی جامه,وینشب مخالبه فی فرائسه الأربة,واسع الشدق,مكین العض,هائل مطبق فاذا غالبة لیث آخر,واطبق یعضه عضا,أخذته عزة الاسود,فلم یجزع,ولم یصوت!هذا كله,وما فی أیدینا من شعره یقل عن عشر ما فی الدیوان,وربما كان یقل عن مجموع ماقال من الشعر.
وشئ آخر ینبغی ألاننساه,وهو احتمال التزید فی اخبار الشاعر التی تحط به فی اعین الناس.حتی لینتهی التأثر بها فی عین بعض المعاصرین الی جعله«عصارة اللؤم المصفی»,و«سریع التقلب,جاحد الجمیل خبیث اللسان,قبیح الهجاء...»كما ذكر الخطیب البغدادی(تاریخ بغداد2/282)و«بذی اللسان,مولغ بالهجو,والحط من اقدارالناس».(ابن خلكان:2/24),«بذی اللسان والنفس»(الذهبی:سیراعلام النبلاء8/128).
ولكن فی اخبار الشاعر جانبا أغفله الناس,یبدو علی ألسنة من ترجم كزلة لسان.وهی تنقض بعض هذه الاحكام,أوتدعو علی الاقل الی تأملها ومعاودة النظر فیها:فان الثعالبی مثلا یقول فی مرأة المروءات(وهو مخطوط لایقع سریعا فی ایدی الناس,الورقة 245)بعد أن یشیر الی تقلبه بین المدیح والهجاء:«وكان مع ذلك یرجع الی مروءة,وحسب,وحسن ریاش.فجری یوما بین یدی عبدالله بن طاهر ذكره,فغض منه.فقیل له:انه صاحب مرؤة.فقال:تباله ولوكان كذلك!كیف تكون مروءةلمن یعصی الرحمن ویطیع الشیطان,ویهجو السلطان».ویقول الثعالبی فی موضع آخر(تراجم الشعراء:الورقة85و86):«كان مع جودة شعره وفخامة لفظه,رجلا ذاهمة ونبل فی نفسه,ویهجومن الخلفاء فما دون,وكان شعره اكثر من شعرنظرائه.». لاشك فی أن دعبلا الخزاعی دخل بنفسه وشعره مدخلا سیاسیا سعبا فقد انتسب الی المعارضة العلویة ,فكان لا بد أ« یهجو السلطان,ومن یلحق به وعلی یدیه أتسع توظیف الهجاء,كما نقول الیوم-فی السیاسة,دفاعا عن مكان المعارضة,وحقها ورأیها فی الخلافة,ولاشك أن ماأصاب آل البیت(ع),وماكان یصیبهم,كان یؤذیه أبلغ الایذاء,فماذا یفعل-وهوالشاعر-فی الدفاع عنهم وذم خصومهم,غیر أن یقول الشعر؟وماذا یفعل-وهوالانسان الملتزم-غیرأن یثبت علی ولائه لآل البیت(ع)ویخسر فی سبیلهم أمنه,أماكان الشعر یتیح لاصحابه الذین یسیرون فی ركاب السلطان من امتیاز القدر ورفاه العیش؟واذن فقد تسأل السیاسةعن بعض هذه الاحكام:مثل التقلب بین المدیح والهجاءفقد كان معیار الموقف من السلطة هوموقفها من المعارضة التی هو فی صفها,وكان معیار الموقف من الناس,هو موقفهم منه:یمدحهم أن احسنوا,ویهجوهم أن أساؤوا,ویتهددهم_وهم بین الحالین-بسوءالعاقبة!
ثم یسأل الخلاف المذهبی عن بعض هذه الاحكام ایضا مثل:«خبث اللسان,فقد كان بغیضا,ثقیل الوطأة علی من لایری رأیه,ویذهب مذهبه.وفی بعض شعره الموثوق والمنسوب الیه نیل من بعض الصحابة أوتعریض بهم,وهم-فی نهایة الأمر-صحابة رسول الله(ص)الذین نصروا الاسلام وأعزوه.ثم یسأل تكوینه النفسی,وماأحاط به من صروف الحیاة عما تبقی من هذه الاحكام,مثل الفحش فی الهجاء.فقد كان غضوبا سریع التهیج,فائرالاحساس,سییءالظن بالناس,مستوحشا مأزوما,یری لنفسه ولقومه ولشیعته علی الحیاة حقا مضیعا,ینبغی أن ترده علیهم جمیعا ولكن هذاینبغی ألاینسینا قدرته علی التضحیة بما هو أغلی من الحیاة كما قلنا:بأمن النفس وسكینتها,ورضاه بالتشرد فی اقطار الأرض دفاعا عمن أحب,وبالفقروالحرمان وشجاعته فی مواجهة السلطان ورجاله,وتماسكه فی مواجهة ماتغری به الحیاة اخیرا من الموادعة والمصالحة,مع ضعف الشیخوخة والاقتراب من الموت. وثباته علی المبدأ ثباتا یكاد ینفرد به من الشعراءالأخرین واصراره علی أن تظل شعلة الأمل حیة فی القلب:
لقـد حــفت الایام حـولی بشـرها وانــی لارجـوا الأمن بعد وفـاتی
فیا نفس طیبی ثم یا نفس أبشری فــــغیربـــــعید كــــل مــــاهوات
ولا تجزعی مـن مـدة الجور,اننی كأنــــی بــــها قــد آذنت بــبتات
فاذا كان هذا كله لایعنی المرؤة والنبل فی النفس,وانتسابه الی خزاعة,لایعنی عراقة الحسب,فما معنی هذه الكلمات اذن؟ومامعنی بعد الهمة ان لم تكن تعنی قوة العزیمة وصلابة الروح والاصرار علی اقتحام الغمرات؟
ثم ان فی شعره الذی تبقی لنا-علی قتله-وصفا لجمال الود,ووفاء الاخوة,وكرم النفس ومحبة الأهل, واحساسا بمرارة فقد الصدیق,لا تفیض الا عن نفس تتصف بهذه الصفات ,وتعی قدرها:
فـان نـحن كـافأنا فأهـل لودنـا وان نحن قصرنا فما الود متهم
وان زرتــــه ألفــیته مـــتبذلا رطب النــدی,عشب الجـــناب
مــــــــــــــــــــــــــــــــریعا مـــتثاقلا عـــما یسوء صــدیقه
والی التی تشجی العدو سریعا ووداعك مــثل وداع الربــیع
وفــقدك مــثل افـــتقاد الدیـم وقالت سلامة أین المال؟ قلت
لهـــــــــــــــــــــــــــــــــــا: المــــال ویحك لاقـی الحـــمد
فـــــــــــــــــــــــــــاصطحبا الحمد فرق مالی فــی الحـقوق
فــــــــــــــــــــــــــــــــــــما أبقین ذمئا ولا أبقین لی نشـبا
واخیرا,فصحیح أن شهرة دعبل الخزاعی وكانته فی تاریخ الشعر العربی تقومان علی ما قال فی آل البیت(ع)من مدیح رجالهم وبكاء قتلاهم.وماهجابه خصومهم وخصومه علی السواء؛ولكنه فی ماتبقی من شعره-وهو أقله اشارات الی موضوعات ومعان اخری,ذهب ضیاع الدیوان للاسف بقدرة التفصیل فیها.لقد كان یحسن دعبل مدیح الرجل علی الاطلاق,ویحسن صیاغة الحكم ویحسن وصف الطبیعة ومفاتنهاوالفلوات الموحشة-لكثرة اسفاره-والغربة وما یصیب الغریب من دواعی الشجن ویحسن شكوی الزمان والناس.فمن الامور التی ینبغی أن تصحح فی أذهان الناس اقتصار مكانه من تاریخ هذا الشعر علی ما قال فی الهجاء لسطوع معانیه واستفاضة فیه.وعلی ماقال فی مدیح آل البیت(ع)وتصویر مآسیهم وما تبقی من شعره خیر دلیل علی ذلك.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الثلاثاء يونيو 05, 2012 3:21 pm من طرف الرماحي