عصمة السيدة الزهراء عليها السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
من محاضرات الفقيه المجدد العلامة المرجع
السيد محمد حسين فضل الله رضوان الله عليه
إننا نعتقد أن الزهراء(ع) معصومة عن الخطأ والزلل والسهو والنسيان، فلم ترتكب في حياتها معصية مهما كانت صغيرة.
ويمكن أن نستدل على عصمتها بثلاثة أدلّة تضاف إلى ما تقدم من قول النبي(ص): "فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني".
الأول: إننا لو درسنا حياتها منذ ولادتها إلى حين وفاتها؛ حياتها مع أبيها ومع زوجها ومع أولادها ومع الناس جميعاً، لما وجدنا لها خطأً في فكر أو زلّة في قول أو اشتباهاً في فعل، فقد كانت حياتها(ع) تجسد العصمة أتمّ تجسيد.
الثاني: إنها من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فتشملها آية التطهير (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) [الأحزاب:23] في ما تشمل من أهل البيت، وهم علي وفاطمة والحسن والحسين(ع)، والذين كانت الآية دليلاً على عصمتهم. فآية التطهير هذه شهادة حق لا ينال منها الباطل على عصمة الزهراء(ع).
وعندما نستدل بآية التطهير على عصمتها، فهذا لا يعني أبداً أنها وقبل نزول الآية لم تكن معصومة، بل كانت(ع)معصومة حتى قبل نزولها عصمةً كاملة يشهد لها بها سلوكها، وآية التطهير إنما جاءت لتكشف عن عصمتها لا أنها تمنحها العصمة.
الثالث: إن فاطمة الزهراء(ع)هي سيدة نساء العالمين كما جاء في الحديث المشهور عند الفريقين ، ولا يمكن أن تكون امرأة في مستوى سيدة نساء العالمين إلا وتكون الإنسانة التي تعيش الحق كله في عقلها وقلبها وحركتها، ولا يمكن أن يزحف الباطل إلى شيء منها في ذلك كله.
حقيقة العصمة:
إنّ رأينا في عصمة أهل البيت(ع) بما فيهم الزهراء(ع)، هو أنّ الله سبحانه أودع فيهم من عناصر العلم والروح وخصائص القدس ما يذهب به الرجس عنهم ويحقق الطهارة فيهم، لقد أعطاهم نوراً يتحركون فيه من خلال وعيهم لكل خطوط النور وآفاقه، وأعطاهم العلم والروحانية التي تلتقي بوعي الله ومعرفته، ووعي الإسلام في عمقه وامتداده، بحيث يتحركون بالطهر بوعي، ويبتعدون عن الشر بوعي، لأن هذه العناصر التي أعطيت لهم هي التي تعمّق الوعي والإرادة فيهم، ولكنها لا تحرّكهم تلقائياً وبغير اختيار. فلا يقولنَّ قائل إن معنى العصمة التكوينية المستفادة من الآية الشريفة{ إنما يريد الله...} تعني أن الله سبحانه يسلبهم الاختيار فيكونون الطاهرين بغير اختيارهم والبعيدين عن الرجس بغير اختيارهم، بحيث يتحركون بالطهر تحركاً آلياً كما تتحرك الآلة من دون وعي، فإن هذا التوهّم فاسد، لأنّا وإن قلنا إن الله هو الذي أودع فيهم عناصر القداسة والروحانية والعلم، لكن هذا لا يستلزم سلبهم الاختيار وأن يصيروا كالآلة الجامدة أو العصا في يد صاحبها، لأن هذه العناصر الآنفة تعمق الوعي فيهم كما أسلفنا، لا أنها تسلبهم الاختيار.
إذاً، كانت عصمة الزهراء(ع)عصمة إرادية انطلقت من وعيها ومن لطف الله الذي كرّم وجهها عن السجود للأصنام وفعل المعاصي، كما كرّم وجه زوجها علي(ع)عن السجود للأصنام قبل البعثة وبعدها، وهذا بخلاف كثير من رجال المسلمين ونسائهم ممن سجدوا قبل الإسلام للصنم، أما الزهراء(ع) فكان سجودها لله منذ عرفت السجود، وكان ركوعها لله منذ عرفت الركوع، وكان قيامها تسليماً لله مذ عرفت القيام.
الخميس أبريل 26, 2012 12:23 pm من طرف زينب العلوية