روى الثقفي في تاريخه بإسناده، عن ابن عباس، قال: استأذن أبو ذر على عثمان فأبى أن يأذن له، فقال لي: استأذن لي عليه. قال ابن عباس: فرجعت إلى عثمان فاستأذنت له عليه، قال: إنه يؤذيني. قلت: عسى أن لا يفعل، فأذن له من أجلي، فلما دخل عليه قال له: إتق الله يا عثمان !، فجعل يقول: اتق الله.. وعثمان يتوعده، قال أبو ذر: إنه قد حدثني نبي الله صلى الله عليه وآله أنه يجاء بك وبأصحابك يوم القيامة فتبطحون (3) على وجوهكم، فتمر عليكم البهائم فتطأكم كل ما مرت آخرها ردت أولها، حتى يفصل بين الناس. قال يحيى بن سلمة: فحدثني العرزمي أن في هذا الحديث: ترفعوني حتى إذا كنتم مع الثريا ضرب بكم على وجوهكم فتطأكم البهائم. وذكر الثقفي في تاريخه: إن أبا ذر لما رأى أن عثمان قد أمر بتحريق المصاحف، فقال: يا عثمان ! لا تكن أول من حرق كتاب الله فيكون دمك أول دم يهراق. وذكر في تاريخه، عن ثعلبة بن حكيم، قال: بينا أنا جالس عند عثمان - وعنده أناس من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله من أهل بدر وغيرهم - فجاء
--------------------------------------------------------------------------------
أبو ذر يتوكأ على عصاه، فقال: السلام عليكم. فقال: اتق الله يا عثمان ! إنك تسمع.. كذا وكذا، وتصنع.. كذا وكذا.. وذكر مساويه، فسكت عثمان حتى إذا انصرف، قال: من يعذرني من هذا الذي لا يدع مساءة إلا (1) ذكرها. فسكت القوم فلم يجيبوه، فأرسل إلى علي عليه السلام، فجاء، فقام في مقام أبي الذر، فقال: يا أبا الحسن ! ما ترى أبا الذر لا يدع لي مساءة إلا ذكرها ؟. فقال: يا عثمان ! إني أنهاك عن أبي ذر، يا عثمان أنهاك عن أبي ذر.. - ثلاث مرات -، أتركه كما قال الله تعالى لمؤمن آل فرعون: [إن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب] (2). قال له عثمان: بفيك التراب !. قال له علي عليه السلام: بل بفيك التراب، ثم انصرف. وروى الثقفي في تاريخه أن أبا ذر دخل على عثمان - وعنده جماعة -، فقال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ليجاء بي يوم القيامة أو بك وبأصحابك حتى تكون بمنزلة الجوزاء من السماء، ثم يرمى بنا إلى الارض فتوطأ علينا البهائم حتى يفرغ من محاسبة العباد. فقال عثمان: يا أبا هريرة ! هل سمعت هذا من النبي صلى الله عليه وآله ؟. فقال: لا. قال أبو ذر: أنشدك الله سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر. قال: أما هذا فقد سمعت، فرجع أبي ذر وهو يقول: والله ما كذبت. وذكر الثقفي في تاريخه: عن عبد الله شيدان السلمي أنه قال لابي ذر: ما لكم ولعثمان ؟، ما تهون عليه، فقال: بلى والله لو أمرني أن أخرج من داري لخرجت ولو حبوا، ولكنه أبي أن يقيم كتاب الله (3).
--------------------------------------------------------------------------------
وذكر الثقفي في تاريخه: أن أبا ذر ألقى بين يدي عثمان، فقال: يا كذاب !. فقال علي عليه السلام: ما هو بكذاب. قال: بلى، والله إنه لكذاب. قال علي عليه السلام: ما هو بكذاب. قال عثمان: الترباء في فيك يا علي !. قال علي عليه السلام: بل الترباء في (1) فيك يا عثمان. قال علي عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر. قال: أما والله على ذلك لاسيرنه. قال أبو ذر: أما والله لقد حدثني خليلي عليه الصلاة والسلام إنكم تخرجوني من جزيرة العرب. وذكر الثقفي في تاريخه، عن سهل بن الساعدي، قال: كان أبو ذر جالسا عند عثمان وكنت عنده جالسا إذ قال عثمان: أرأيتم من أدى زكاة ماله هل في ماله حق غيره ؟. قال كعب: لا، فدفع أبو ذر بعصاه في صدر كعب، ثم قال: يا ابن اليهوديين ! أنت تفسر كتاب الله برأيك: [ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله..] (2) إلى قوله: [واتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين] (3)، ثم قال: ألا ترى أن على المصلي بعد إيتاء الزكاة حقا في ماله ؟ !، ثم قال عثمان: أترون بأسا أن نأخذ (4) من بيت مال المسلمين مالا فنفرقه فيما ينوبنا (5) من أمرنا ثم نقضيه ؟، ثم قال أناس منهم: ليس بذلك بأس. وأبو ذر ساكت، فقال عثمان: يا كعب ! ما تقول ؟. فقال كعب: لا بأس بذلك، فرفع أبو ذر عصاه فوجأ بها (6) في صدره، ثم قال: أنت يابن
--------------------------------------------------------------------------------
اليهوديين تعلمنا ديننا ؟ !. فقال عثمان: ما أكثر أذاك لي وأولعك بأصحابي ؟ ! ألحق بمكينك وغيب عني وجهك. وذكر الثقفي، عن الحسين بن عيسى بن زيد، عن أبيه: أن أبا ذر أظهر عيب عثمان وفراقه للدين، وأغلظ له حتى شتمه على رؤوس الناس وبرئ منه، فسيره عثمان إلى الشام. وذكر الثقفي في تاريخه، عن عبد الرحمن: أن أبا ذر زار أبا الدرداء بحمص فمكث عنده ليالي فأمر (1) بحماره فأوكف (2)، فقال أبو الدرداء: لا أراني الله مشيعك (3)، وأمر بحماره فأسرج. فسارا جميعا على حماريهما، فلقيا رجلا شهد الجمعة عند معاوية بالجابية فعرفهما الرجل ولم يعرفاه (4) فأخبرهما خبر الناس، ثم إن الرجل قال: وخبر آخر كرهت أن أخبركم به الآن وأراكم تكرهانه، قال أبو الدرداء: لعل أبا ذر قد نفي ؟. قال: نعم والله، فاسترجع أبو الدرداء وصاحبه قريبا من عشر مرات، ثم قال أبو الدرداء: فارتقبهم واصطبر كما قيل لاصحاب الناقة، اللهم إن كانوا كذبوا أبا ذر فإني لا أكذبه ! وإن اتهموه فإني لا أتهمه ! وإن استغشوه فإني لا أستغشه ! إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأتمنه حيث لا يأتمن أحدا، ويسر إليه حيث (5) لا يسر إلى أحد، أما والذي نفس أبي الدرداء بيده لو أن أبا ذر قطع يميني ما أبغضته بعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي الهجة أصدق من أبي ذر.
--------------------------------------------------------------------------------
وذكر الثقفي في تاريخه بإسناده، قال: قام معاوية خطيبا بالشام، فقال: أيها الناس ! إنما أنا خازن فمن أعطيته فالله يعطيه ومن حرمته فالله يحرمه، فقام إليه أبو ذر، فقال: كذبت والله يا معاوية، إنك لتعطي من حرم الله وتمنع من أعطى الله. وذكر الثقفي، عن ابراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، قال: قلت لمعاوية: أما أنا فأشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن أحدنا فرعون هذه الامة. فقال معاوية: أما أنا فلا (1). وعنه، عن عبد الملك بن أخي أبي ذر، قال: كتب معاوية إلى عثمان: إن أبا ذر قد حرف قلوب أهل الشام وبغضك إليهم فما يستفتون غيره، ولا يقضي بينهم إلا هو، فكتب عثمان إلى معاوية: أن احمل أبا ذر على ناب صعبة وقتب (2)،
--------------------------------------------------------------------------------
ثم ابعث معه من ينجش به نجشا (1) عنيفا حتى يقدم به علي، قال: فحمله معاوية على ناقة صعبة عليها قتب ما على القتب إلا مسح (2)، ثم بعث معه من يسيره سيرا عنيفا، وخرجت معه فما لبث الشيخ إلا قليلا حتى سقط ما يلي القتب من لحم فخذيه وقرح، فكنا إذا كان الليل أخذت ملائي (3) فألقيتهما تحته، فإذا كان السحر نزعتها مخافة أن يروني فيمنعوني من ذلك، حتى قدمنا المدينة وبلغنا عثمان ما لقي أبو ذر من الوجع والجهد، فحجبه جمعة وجمعة حتى مضت عشرون ليلة أو نحوها وأفاق أبو ذر، ثم أرسل إليه - وهو معتمد على يدي - فدخلنا عليه وهو متكي فاستوى قاعدا، فلما دنا أبو ذر منه قال عثمان: لا أنعم الله بعمرو عينا * تحية السخط إذا التقينا فقال له أبو ذر: لم (4) ؟، فوالله ما سماني الله عمروا (5) ولا سماني أبواي عمروا (6)، وإني على العهد الذي فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وآله ما غيرت ولا بدلت. فقال له عثمان: كذبت ! لقد كذبت على نبينا وطعنت في ديننا، وفارقت رأينا، وضغنت قلوب المسلمين علينا، ثم قال لبعض غلمانه: ادع لي قريشا، فانطلق رسوله فما لبثنا أن امتلا البيت من رجال قريش. فقال لهم عثمان: إنا أرسلنا إليكم في هذا الشيخ الكذاب، الذي كذب على نبينا وطعن في ديننا، وضغن قلوب المسلمين علينا، وأني قد رأيت أن أقتله أو أصلبه أو أنفيه من
--------------------------------------------------------------------------------
الارض. فقال بعضهم: رأينا لرأيك تبع. وقال بعضهم: لا تفعل، فإنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وله حق، فما منهم أحد أدى الذي عليه، فبيناهم كذلك إذ جاء علي بن أبي طالب عليه السلام يتوكأ على عصى سترا فسلم عليه ونظر ولم يجد مقعدا فاعتمد على عصاه، فما أدري أتخلف عهد أم يظن به غير ذلك، ثم قال علي عليه السلام: فيما أرسلتم إلينا ؟. قال عثمان: أرسلنا إليكم في أمر قد فرق لنا فيه الرأي فاجمع رأينا ورأي المسلمين فيه على أمر. قال علي عليه السلام: ولله الحمد، أما إنكم لو استشر تمونا لم نألكم نصيحة. فقال عثمان: إنا أرسلنا إليكم في هذا الشيخ الذي قد كذب على نبينا، وطعن في ديننا، وخالف رأينا، وضغن قلوب المسلمين علينا، وقد رأينا أن نقتله أو نصلبه أو ننفيه من الارض. قال علي عليه السلام: أفلا أدلكم على خير من ذلكم وأقرب رشدا ؟ تتركونه بمنزلة مؤمن آل فرعون إن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم [إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب] (1). قال له عثمان: بفيك التراب !. فقال له علي عليه السلام: بل بفيك التراب، وسيكون به. فأمر بالناس فأخرجوا. وعنه في تاريخه بإسناده، عن عبد الرحمن بن معمر، عن أبيه، قال: لما قدم بأبي ذر من الشام إلى عثمان كان مما أبنه (2) به أن قال: أيها الناس ! إنه يقول انه خير من أبي بكر وعمر. قال أبو ذر: أجل أنا أقول، والله لقد رأيتني (3) رابع أربعة مع رسول الله صلى الله عليه وآله ما أسلم غيرنا، وما أسلم أبو بكر ولا عمر، ولقد وليا وما وليت، ولقد ماتا وإني لحي. فقال علي عليه السلام: والله لقد رأيته وإنه
--------------------------------------------------------------------------------
لربع (1) الاسلام، فرد عثمان ذلك على علي عليه السلام وكان بينهما كلام، فقال عثمان: والله لقد هممت بك، قال علي عليه السلام: وأنا والله لاهم بك، فقام عثمان ودخل بيته، وتفرق الناس. وعنه في تاريخه، عن الاحنف بن قيس، قال: بينما (2) نحن جلوس مع أبي هريرة إذ جاء أبو ذر، فقال: يا أبا هريرة ! هل افتقر الله منذ استغنى ؟. فقال أبو هريرة: سبحان الله ! بل الله الغني الحميد، لا يفتقر أبدا ونحن الفقراء إليه. قال أبو ذر: فما بال هذا المال يجمع بعضه إلى بعض. فقال: ما الله قد منعوه أهله من اليتامى والمساكين، ثم انطلق. فقلت لابي هريرة: ما لكم لا تأبون مثل هذا ؟. قال: إن هذا رجل قد وطن نفسه على أن يذبح في الله، أما إني أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، فإذا أردتم أن تنظروا إلى أشبه الناس بعيسى بن مريم برا وزهدا ونسكا فعليكم به (3). وعنه في تاريخه، عن المغرور بن سويد، قال: كان عثمان يخطب فأخذ أبو ذر بحلقة الباب، فقال: أنا أبو ذر ! من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا جندب، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إنما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح في قومه من تخلف عنها هلك ومن ركبها نجا. قال له عثمان: كذبت. فقال له علي عليه السلام: إنما كان عليك أن تقول كما قال العبد الصالح: إن يك
--------------------------------------------------------------------------------
كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم] (1) فما أتم حتى قال عثمان: بفيك التراب. فقال علي عليه السلام: بل بفيك التراب (2). وذكر الواقدي في تاريخه، عن سعيد بن عطاء، عن أبي مروان الاسلمي، عن أبيه، عن جده، قال: لما صد الناس عن الحج في سنة ثلاثين أظهر أبو ذر بالشام عيب عثمان، فجعل كلما دخل المسجد أو خرج شتم عثمان وذكر منه خصالا كلها قبيحة، فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى عثمان كتابا يذكر له ما يصنع أبو ذر. وذكر الواقدي ما تضمنه الكتاب حذفناه اختصارا. فكتب إليه عثمان: أما بعد، فقد جاءني كتابك وفهمت ما ذكرت من أبي ذر جنيدب فابعث إلي به واحمله على أغلظ المراكب وأوعرها (3)، وابعث معه دليلا يسير به الليل والنهار حتى لا ينزل عن مركبه فيغلبه النوم فينسيه ذكري وذكرك. قال: فلما ورد الكتاب على معاوية حمله على شارف (4) ليس عليه إلا قتب، وبعث معه دليلا، وأمر أن يغذ (5) به السير حتى قدم به المدينة وقد سقط لحم فخذيه، قال: فلقد أتانا آت ونحن في المسجد ضحوة مع علي بن أبي طالب عليه السلام، فقيل (6): أبو ذر قد قدم المدينة، فخرجت أعدوا (7) فكنت أول من سبق إليه، فإذا شيخ نحيف آدم طوال أبيض الرأس واللحية يمشي مشيا متقاربا، فدنوت إليه،
--------------------------------------------------------------------------------
فقلت: يا عم ! ما لي أراك لا تخطو إلا خطوا قريبا. قال: عمل ابن عفان، حملني على مركب وعر وأمر بي أن أتعب، ثم قدم بي عليه ليرى في رأيه. قال: فدخل به على عثمان، فقال له عثمان: لا أنعم الله لك عينا يا جنيدب.. وساق الحديث كما مر برواية ابن أبي الحديد. ثم قال أبو الصلاح (1) رحمه الله: وذكر الواقدي في تاريخه (2)، عن صهبان مولى الاسلميين، قال: رأيت أبا ذر يوم دخل به على عثمان عليه عباء مدرعا قد ذرع بها على شارف حتى أنيخ به على باب عثمان. فقال: أنت الذي فعلت وفعلت ؟ !. فقال: أنا الذي نصحتك فاستغششتني، ونصحت صاحبك فاستغشني.. وساق الحديث كما رواه ابن أبي الحديد.. إلى قوله، قال: امض على وجهك هذا ولا تعدون الربذة، فخرج أبو ذر إلى الربذة، فلم يزل بها حتى توفي.