هاني بن عُروة
من هو هاني ؟
هو هاني بن عُروَة بن نمران بن عمرو.. بن مَذْحِج، أبو يحيى المذحجيّ
المراديّ الغَطيفيّ ( من عرب الجنوب باليمن ). كان صحابيّاً كأبيه عُروَة،
وكان هو وأبوه مِن وجوه الشيعة، وهاني أحد زعماء اليمن الكبار في الكوفة
وأعيانها.. قال المسعوديّ: كان هاني بن عروة المراديّ شيخَ مُراد وزعيمها،
يركب في أربعة آلاف دارع وثمانية آلاف راجل، فإذا أجابتها أحلافُها مِن
كِنْدة وغيرها كان في ثلاثين ألفَ دارع (1).
أدرك النبيَّ صلّى الله عليه وآله وتشرّف بصحبته، ثمّ صار مِن أصحاب أمير
المؤمنين عليٍّ عليه السّلام فشارك معه في: الجمل وصفيّن والنَّهروان،
وكان مِن رَجَزه يوم الجمل:
يا لَكِ حرباً جَثّها جِمالُها |
يقودهـا لنقصها ضَلالُها |
هذا عليٌّ حولَه أقيالُها (2) |
وكان عروة مِن أركان حركة حُجْر بن عَدِيّ الكِنْديّ ضدّ زياد بن أبيه،
خرج معه، ولمّا أراد معاوية قتلَ حُجر شفّع هاني فيه زيادَ بن أبيه. أمّا
هاني فقد أجار كثيرَ بن شهاب المَذْحِجيّ حين اختانَ مالَ خُراسان وهَرَب،
فطلبه معاوية فاستتر عند هاني، فهَدَر معاويةُ دمَ هاني، فحضر هاني مجلسَ
معاوية وهو لا يعرفه، فلمّا نهض الناس ثَبَت في مكانه، فسأله معاوية عن
أمره، فقال: أنا هاني بن عروة، صِرتُ في جِوارك.. أنا اليوم أعزُّ منّي
مِن ذلك اليوم، قال: بِمَ ذلك ؟ قال: بالإسلام، فسأله معاوية: أين كثير بن
شهاب ؟ قال: عندي في عسكرك، فقال: انظُرْ إلى ما اختانَه، فخُذْ منه بعضاً
وسَوِّغه بعضاً (3).
وآوى هاني بن عروة في داره مسلمَ بن عَقيل حين قَدِم إلى الكوفة، فصار
مَقَرّاً له بعد قدوم عبيدالله بن زياد إلى الكوفة والياً مِن قِبل يزيد
بن معاوية، وكان ما كان بعد ذلك.
هاني في نهضة مسلم
لمّا سمع مسلم بن عقيل رضوان الله عليه بمجيء عبيدالله بن زياد إلى
الكوفة، ومقالته وتهديداته، خرج من دار المختار بن عبيدة الثقفيّ حتّى
انتهى إلى دار هاني بن عُروة فدخلها، فأخذت الشيعة تختلف إليه على تَستُّر
واستخفاء مِن عبيدالله بن زياد، وتواصَوا بالكِتمان، فدعا ابنُ زياد مولىً
له يُقال له « مَعقِل » وأمره بالتجسّس في طلب مسلم بدعوى تسليم مبلغٍ من
المال له، ففعل حتّى أُدخل إلى دار هاني وتعرّف هناك على ما فيها، وأخبر
ابنَ زياد بكلّ ذلك، فبعث عبيدُالله على هاني، فلمّا قدم قال له عبيدالله:
أتَتْكَ بحائنٍ رِجْلاهُ تسعى (4) |
ثمّ قال له: إيه يا هاني بن عروة، ما هذه الأمور التي تربّص في دارك ؟!
جئتَ بمسلم بن عقيل فأدخلتَه دارك، وجمعتَ له الجموع والسلاح والرجال في
الدُّور حولك، وظننتَ أنّ ذلك يَخفى علَيّ! فلمّا أنكر هاني، دعا ابنُ
زياد مَعقِلاً ذلك الجاسوس، فجاء حتّى وقف بين يديه، فسأله: أتعرف هذا ؟
قال هاني: نعم. وعلم هاني عند ذلك أنّ مَعقِلاً كان عَيناً ( جاسوساً )
عليهم، وأنه قد أتاه بأخبارهم، فأُسقِط في يديه.
فقال ابن زياد: واللهِ لا تفارقني أبداً حتى تأتِينَي بمسلم. قال هاني: لا والله، لا أجيئك به أبداً، أجيئك بضيفي تقتله ؟!
عبيدالله: واللهِ لتَأتينّي به!
هاني: واللهِ لا آتيك به.
فلمّا كَثُر الكلامُ بينهما، قام مسلم بن عمرو الباهليّ فخلا بهاني ناحيةً
وقال له: يا هاني، أنشدُك الله أن لا تقتلَ نفسَك، وأن تُدخِلَ البلاءَ في
عشيرتك.. إنّ هذا ابن عمّ القوم وليسوا قاتِليه ولا ضائريه، فادفَعْه
إليهم؛ فإنّه ليس عليك بذلك مَخْزاة ولا مَنقَصَة، إنّما تدفعه إلى
السلطان.
فقال هاني: واللهِ إنّ علَيّ في ذلك الخِزيَ والعار أن أدفع جاري وضيفي
وأنا حيٌّ صحيحٌ أسمع وأرى، شديد الساعد كثير الأعوان، واللهِ لو لم يكن
لي إلاّ واحد ليس لي ناصر، لم أدفعه حتّى أموتَ دونه. فأخذ يُناشده وهو
يقول: واللهِ لا أدفعه إليه ابداً.
فسمع ابن زياد لعنه الله ذلك، فقال: أدنُوه منّي. فأدنَوه منه، فقال له:
واللهِ لَتأتينّي به أو لأضربنّ عُنقَك، فقال هاني: إذاً واللهِ تكثر
البارقةُ حول دارك (5).
( وهاني يظنّ أنّ عشيرته مَذْحِج ستنتصر له وتخلّصه )، فصاح ابنُ زياد:
والَهْفاه عليك! أبِالبارِقة تُخَوِّفني ؟! ثمّ صاح: أدْنُوه مني. فأدنَوه
منه، فاستعرض وجهه بالقضيب، فلم يَزَل يضرب به أنفَه وجبينه وخدّه حتى كسر
أنفه وسالت الدماء على وجهه ولحيته، ونثر لحمَ جبينه وخدّه على لحيته،
حتّى كُسِر القضيب.. فضرب هاني يده على قائم سيف شَرَطيّ، فجاذَبَه الرجل
ومنعه. قال عبيدالله بن زياد: قد حَلَّ دمُك.. جُرُّوه. فجَرُّوه وألقَوه
في غرفة من غرف الدار وأغلقوا عليه بابه.
شهادته
وبلَغَ عمرَو بن الحجّاج شائعةُ أنّ هانيَ بنَ عروة قد قُتل، فأقبل في
مَدْحِج حتّى أحاط بقصر عبيدالله ومعه جمعٌ عظيم، فقال عبيدالله لشُرَيح
القاضي: ادخُلْ على صاحبهم فانظُرْ إليه، ثمّ آخرُجْ فأعلِمْهم أنّه حيٌّ
لم يُقتَل. فدخل شُريح فنظر إليه، فقال هاني لمّا رأى شُريحاً: يا لله يا
للمسلمين! أهَلَكتْ عشيرتي ؟! أين أهلُ الدِّين، أين أهل المِصر ؟!
والدماء تسيل على لحيته إذ سمع الضجّةَ على باب القصر، فقال: إنّي
لأظنُّها أصواتَ مَذْحِج وشيعتي من المسلمين، إنّه إن دخَلَ علَيّ عشرةُ
نفرِ أنقَذوني. فلمّا سمع شريح كلامه خرج إليهم فقال: إنّ الأمير لمّا
بلغه كلامُكم ومقالتكم في صاحبكم، أمرني بالدخول إليه، فأتيتُه فنظرت
إليه، فأمرني هاني أن ألقاكم وأُعرّفكم أنّه حيّ، وأنّ الذي بلغكم مِن
قتلهِ باطل. فقال له عمرو بن الحجّاج وأصحابه: أمّا إذا لم يُقتَلْ فالحمد
لله. ثمّ انصرفوا.
وبعد أن كان ما كان مِن أمرِ مسلم بن عقيل رضوان الله عليه وشهادته، فكّر
عبيدالله بن زياد بقتل هاني بن عروة، فقال لجلاوزته: أخرِجوه إلى السُّوق
فارضربوا عُنقَه. فأُخرِج هاني حتّى أُتيَ به إلى مكانٍ من السوق كان
يُباع فيه الغنم وهو مكتوف، فجَعَل يقول: وامَذْحِجاه ولا مَذحِجَ ليَ
اليوم! يا مَذحِجاه يا مَذحجاه، أين مَذحج ؟! فلمّا رأى أنّ أحداً لا
ينصره، جَذَب يده فنزعها مِن الكَتاف ثمّ قال: أما مِن عصاً أوسكّينٍ أو
حجارةٍ أو عَظْم يُجاجِر به رجلٌ عن نفسه ؟! فوثبوا إليه فشَدُّوه
وَثاقاً، ثمّ قيل له: امدُد عُنقَك، فقال: ما أنا بها بسخيّ، وما أنا
بمُعينكم على نفسي. فضَرَبه مولى لعبيدالله بن زياد تركيّ يقال « رشيد »
بالسيف، فلم يصنع شيئاً، فقال له هاني: إلى الله المعاد، اللّهمّ إلى
رحمتك ورضوانك. ثمّ ضربه أخرى فقتله (6).
الخبر الأليم
وكان عبدالله بن سليمان والمنذر بن المُشمَعِلّ الأسَديّان قد التَحَقا
بالإمام الحسين عليه السّلام وهو في طريقه إلى كربلاء، فالتَقَياه في «
الثَّعلبيّة »، فأخبراه بشهادة مسلم بن عقيل وهاني بن عروة، وأنّهما كانا
يُجَرّانِ في السوق بأرجُلهما، فقال الإمام الحسين عليه السّلام وقد أخَذ
الأسى منه مأخذَه: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، رحمة الله عليهما ـ
يُردِّد ذلك مِراراً (7).
وفي مسلم بن عقيل وهاني بن عروة رحمهما الله يقول عبدالله بن الزبير الأسديّ:
فإنْ كنتِ لا تَدرينَ ما الموتُ فانظُري |
| إلى هـانئٍ فـي السـوقِ وابنِ عقيلِ |
إلى بطلٍ قـد هَشّـمَ السيفُ وجهَـهُ |
| وآخَـرَ يَهـوي مِن طِمـارِ قتـيـلِ |
أصـابَهُـما أمـرُ اللعينِ فـأصبَـحا |
| أحـاديثَ مَـن يَسـري بكلِّ سبـيلِ |
تَرَي جَسَـداً قـد غَيَّر المـوتُ لونَهُ |
| ونَضْـحَ دمٍ قـد سـالَ كُلَّ مَسـيلِ |
هذا، وقد بعث ابن زياد برأسَيهما مع هاني بن أبي حيّة الوادعي والزبير بن الأروح التميميّ إلى يزيد بن معاوية (
.
وكانت شهادة هاني بن عروة رضوان الله عليه في الثامن منِ ذي الحجّة سنة 60
هجريّة، وهو اليوم الذي خرج فيه الإمام الحسين عليه السّلام مِن مكّة
متوجّهاً إلى العراق، وعمرُه يوم ذاك بضعٌ وتسعون، وقيل: تسع وثمانون،
وقيل: ثلاثٌ وثمانون سنة، وكان يتوكّأ على عصا (9).
فرضوان الله تعالى عليه، وشكر الله
له نُصرتَه لقيام مسلم بن عقيل رضي الله عنه،
وكانت في مقدّمة النهضة الحسينيّة المباركة.
الخميس نوفمبر 03, 2011 3:29 pm من طرف الرماحي