[i]
لما كان من أمر أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام الذي كان وانصرف عمر بن سعد لعنه الله بالنسوة والبقية من آل محمد صلى الله عليه وسلم وآله ووجههن إلى ابن زياد لعنه الله فوجههن هذا إلى يزيد لعنه الله وغضب عليه فلما مثلوا بين يديه أمر برأس الحسين عليه السلام فأبرز في طست فجعل ينكث ثناياه بقضيب في يده وهو يقول:
يا غراب البين أسمعت فقل ... إنما تذكر شيئاً قد فعل
ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل
حين حكت بقباه بركها ... واستحر القتل في عبد الأشل
لأهلوا واستهلوا فرحاً ... ثم قالوا يا يزيد أن لا تشل
فجزيناهم ببدر مثلها ... وأقمنا ميل بدر فاعتدل
لست للشيخين إن لم أثئر ... من بني أحمد ما كان فعل
فقالت زينب بنت علي عليهما السلام صدق الله ورسوله يا يزيد ثم كان عاقبة الذين أساءوا إن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون أظننت يا يزيد أنه حين أخذ علينا بأطراف الأرض وأكناف السماء فأصبحنا نساق كما يساق الأسارى إن بنا هوانا على الله وبك عليه كرامة وإن هذا لعظيم خطرك فشمخت بأنفك ونظرت في عطفيك جذلان فرحاً حين رأيت الدنيا مستوسقة لك والأمور متسقة عليك وقد أمهلت ونفست وهو قول الله تبارك وتعالى لا يحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم خيراً لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إئماً ولهم عذاب مهين أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك نساؤك وإماؤك وسوقك بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه قد هتكت ستورهن وأصحلت صوتهن مكتئبات تخدى بهن الأباعر ويحدو بهن الأعادي من بلد إلى بلد لا يراقبن ولا يؤوين يتشوفهن القريب والبعيد ليس معهن ولي من رجالهن وكيف يستبطأ في بغضتنا من نظر إ
لينا بالشنق والشنآن والأحن والأضغان أتقول ليت أشياخي ببدر شهدوا غير متأثم ولا مستعظم وأنت تنكث ثنايا أبي عبد الله بمخصرتك ولم لا تكون كذلك وقد نكأت القرحة واستأصلت الشاقة بإهراقك دماء ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه وآله ونجوم الأرض من آل عبد المطلب ولتردن على الله وشيكاً موردهم ولتودن أنك عميت وبكمت وأنك لم تقل فاستهلوا وأهلوا فرحاً اللهم خذ بحقنا وانتقم لنا ممن ظلمنا والله ما فريت إلا في جلدك ولا حززت إلا في لحمك وسترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لى الله عليه برغمك وعترته ولحمته في حظيرة القدس يوم يجمع الله شملهم ملمومين من الشعث وهو قول الله تبارك وتعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون وسيعلم من بوأك ومكنك من رقاب المؤمنين إذا كان الحكم الله والخصم محمد صلى الله عليه وجوارحك شاهدة عليك فبئس للظالمين بدلاً أيكم شر مكاناً وأضعف حنداً مع أني والله يا عدو الله وابن عدوه استصغر قدرك واستعظم تقريعك غير أن العيون عبرى والصدور حرى وما يجزي ذلك أو يغني عنا وقد قتل الحسين عليه السلام وحزب الشيطان يقربنا إلى حزب السفهاء ليعطوهم أموال الله على انتهاك محارم الله فهذه الأيدي تنطف من دمائنا وهذه الأفواه تتحلب من لحومنا وتلك الجثث الزواكي يعتامها عسلان الفلوات فلئن اتخذتنا مغنماً لتتخذن مغرماً حين لا تجد إلا ما قدمت يداك تستصرخ يا ابن مرجانة ويستصرخ بك وتتعاوى وأتباعك عند الميزان وقد وجدت أفضل زاد زودك معاوية قتلك ذرية محمد صلى الله عليه فوالله ما تقيت غير الله ولا شكواي إلا إلى الله فكيد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا يرحض عنك عار ما أتيت إلينا أبداً والحمد لله الذي ختم بالسعادة والمغفرة لسادات شبان الجنان فأوجب لهم الجنة أسأل الله أن يرفع لهم الدرجات وأن يوجب لهم المزيد من فضله فإنه ولي قدير.
عن سعيد بن محمد الحميري أبو معاذ عن عبد الله بن عبد الرحمن رجل من أهل الشام عن شعبة عن حذام الأسدي وقال مرة أخرى حذيم قال قدمت الكوفة سنة إحدى وستين وهي السنة التي قتل فيها الحسين عليه السلام فرأيت نساء أهل الكوفة يومئذٍ يلتدمن مهتكات الجيوب ورأيت علي بن الحسين عليهما السلام وهو يقول بصوت ضئيل وقد نحل من المرض يا أهل الكوفة إنكم تبكون علينا فمن قتلنا غيركم ثم ذكر الحديث وهو على لفظ هارون بن مسلم وأخبر هارون بن مسلم بن سعدان قال أخبرنا يحيى بن حماد البصري عن يحيى بن الحجاج عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال لما أدخل بالنسوة من كربلاء إلى الكوفة كان علي بن الحسين عليهما السلام ضئيلاً قد نهكته العلة ورأيت نساء أهل الكوفة مشققات الجيوب على الحسين بن علي عليه السلام فرفع علي بن الحسين بن علي عليهم ا
لسلام رأسه فقال إلا أن هؤلاء يبكين فمن قتلنا ورأيت أم كلثوم عليها السلام ولم أر خفرة والله أنطق منها كأنما تنطق وتفرغ على لسان أمير المؤمنين عليه السلام وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا فلما سكنت الأنفاس وهدأت الأجراس قالت أبدأ بحمد الله والصلاة والسلام على جدي أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختر والخذل إلا فلا رفأت العبرة ولا هدأت الرنة إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم إلا وهل فيكم إلا الصلف والشنف وملق الأماء وغمز الأعداء وهل أنتم إلا كمرعى على دمنة وكفضة على ملحودة إلا ساء ما قدمت أنفسكم إن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون أتبكون أي والله فابكوا وأنكم والله أحرياء بالبكاء فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً فلقد فزتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شبان أهل الجنة ومنار محجتكم ومدره حجتكم ومفرخ نازلتكم فتعساً ونكساً لقد خاب السعي وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة لقد جئتم شيئاً إدّاً تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّاً أتدرون أي كبد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ريتم وأي كريمة له أبرزتم وأي دم له سفكتم لقد جئتم بها شوهاء خرقاء شرهاً طلاع الأرض والسماء أفعجبتم إن قطرت السماء دماً ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينظرون فلا يستخفنكم المهل فإنه لا تحفزه المبادرة ولا يخاف عليه فوت الثأر كلا إن ربك لنا ولهم لبالمرصاد ثم ولت عنهم قال فرأيت الناس حيارى وقد ردوا أيديهم إلى أفواههم ورأيت شيخاً كبيراً من بني جعفى وقد أخضلت لحيته من دموع عينيه وهو يقول:
كهولهم خير الكهول ونسلهم ... إذا عد نسلٌ لا يبور ولا يخزى
وحدثنيه عبد الله بن عمرو قال حدثني إبراهيم بن عبد ربه بن القاسم بن يحيى بن مقدم المقدمي قال أخبرني سعيد بن محمد أبو معاذ الحميري عن عبد الله بن عبد الرحمن رجل من أهل الشام عن حذام الأسدي قال قدمت الكوفة سنة إحدى وستين وهي السنة التي قتل فيها الحسين بن علي عليه السلام فرأيت نساء أهل الكوفة يومئذٍ يلتدمن مهتكات الجيوب ورأيت علي بن الحسين عليهما السلام وهو يقول بصوت ضئيل وقد نحل من المرض يا أهل الكوفة إنكم تبكون علينا فمن قتلنا غيركم وسمعت أم كلثوم بنت علي عليهما السلام وهي تقول فلم أرَ خفرة والله أنطق منها كأنما تنزع عن لسان أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وأشارت إلى الناس أن أمسكوا فسكنت الأنفاس وهدأت فقالت الحمد لله رب العالمين والصلاة علي جدي سيد المرسلين أما بعد يا أهل الكوفة والحديث على لفظ ابن سعدان.