ولائيات
نجب من نور [1]
رأت سكينة في منامها وهي بدمشق كأن خمسة نجب من نور قد أقبلت وعلى كل نجيب شيخ والملائكة محدقة بهم ومعهم وصيف يمشي فمضى النجب وأقبل الوصيف إلي وقرب مني وقال: يا سكينة، إن جدَّك يسلّم عليك فقلت:
و على رسول الله السّلام يا رسول الله! من أنت؟
قال: وصيف من وصائف الجنّة.
فقلت: من هؤلاء المشيخة الذين جاؤوا على النجب؟
قال الأول آدم صفوة الله والثاني إبراهيم خليل الله والثالث موسى كليم الله والرابع عيسى روح الله.
فقلت: من هذا القابض على لحيته يسقط مرّة ويقوم أخرى؟
فقال: جدَّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
فقلت: وأين هم قاصدون؟
قال: إلى أبيك الحسين فأقبلت أسعى في طلبه لأعرّفه ما صنع بنا الظالمون بعده فبينما أنا كذلك إذ أقبلت خمسة هوادج من نور في كل هودج امرأة فقلت: من هذه النّسوة المقبلات؟.
قال: الأولى حوّاء أم البشر والثّانية آسية بنت مزاحم والثالثة مريم بنت عمران والرابعة خديجة بنت خويلد.
فقلت: من الخامسة الواضعة يدها على رأسها تسقط مرّة وتقوم مرّة وتقوم أخرى؟
فقال: جدّتك فاطمة بنت محمّد (صلّى الله عليه وآله) أم أبيك.
فقلت: والله، لأخبرنّها ما صنع بنا فلحقتها ووقفت بين يديها أبكي وأقول: يا أُمتَّاه، جحدوا والله، حقنا يا أُمتَّاه، بددوا والله، شملنا يا أُمتَّاه، استباحوا والله، حريمنا يا أُمتَّاه، قتلوا والله، الحسين أبانا.
فقالت: كُفّي صوتك يا سكينة، فقد أقرحت كبدي وقطعّت نياط قلبي هذا قميص أبيك الحسين معي لا يفارقني حتى ألقى الله به ثم انتبهت وأردت كتمان ذلك المنام وحدثت به أهلي فشاع بين الناس.
رسالة الإمام الحسين (عليه السّلام) [2]
واعتنقت سكينة جسد أبيها الحسين (عليه السّلام) فكانت تحدّث:
أنّها سمعته يقول:
شيعتي ما إن شربتم عذب ماء فاذكروني***أو سمعتم بغريبٍ أو شهيد فاندبوني
ولم يستطع أحدنا ينحيّها عنه حتّى اجتمع عليها عدّة وجرّوها بالقهر.
مناقضات
هكذا رأيت يزيد [3]
لمّا أدخل نساء الحسين على يزيد بن معاوية صاحت نساء آل يزيد وبنات معاوية وأهله وولولن وأقمن المأتم ووضع رأس الحسين (عليه السّلام) بين يديه فقالت سكينة: ما رأيت أقسى قلباً من يزيد ولا رأيت كافراً ولا مشركاً شراً منه ولا أجفى منه وأقبل يقول وينظر إلى الرأس.
ليت أشياخي ببدر شهدوا***جزع الخزرج من وقع الأسل
متفرقات
ردّنا إلى حرم جدّنا[4]
وفي بعض الكتب أن الحسين لمّا نظر إلى اثنين وسبعين رجلاً من أهل بيته صرعى التفت إلى الخيمة ونادى: يا سكينة، يا فاطمة، يا زينب، يا أم كلثوم، عليكن مني السّلام فنادته سكينة:
يا أبة، استسلّمت للموت؟
فقال: كيف لا يستسلّم من لا ناصر له ولا معين؟
فقالت: يا أبة، ردّنا إلى حرم جدّنا فقال: هيهات لو ترك القطا لنام فتصارخن النّساء فسكتهنّ الحسين وحمل على القوم.
اغبرّت الأرض [5]
لمّا أقبل جواد الإمام الحسين (عليه السّلام) نحو الخيام صاهلاً باكياً، استقبلته سكينة (عليها السّلام)، فلمّا رأته عارياً والسرج خالياً صرخت ونادت:
«واأبتاه، واحسيناه، واقتيلاه، واغربتاه، وابعد سفراه، واطول كربتاه، هذا الحسين بالعرى، مسلوب العمامة والردى، قد أخذ منه الخاتم والحذا، بأبي من رأسه بأرض وجثته بأخرى، بأبي من رأسه إلى الشام يهدى، بأبي من أصبحت حرمه مهتوكة بين الأعداء، بأبي من عسكره يوم الإثنين مضى، ثمّ بكت بكاءً شديداً وأنشأت تقول:
مات الفخار ومات الجود والكرم***واغبرّت الأرض والآفاق والحرم
وأغلق الله أبواب السماء فما***ترقى لهم دعوة تُجلى بها الهمم
يا أخت قومي انظري إلى هذا الجواد***ينبئك أنّ ابن خير الخلق مخترم
مات الحسين فيا لهفي لمصرعه***وصار يعلو ضياء الأمّة الظلم
يا موت هل من فداً يا موت هل عوض***الله ربي من الفجّار ينتقم
اتركوني عند والدي [6]
جاء في اللّهوف ما مضمونه: أنّهم لمّا أرادوا الخروج بسبايا آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) إلى الكوفة، مرّوا بهنّ على القتلى، فألقين بأنفسهن على قتلاهن وأخذن يبكين ويصرخن، وكانت من بينهن بنت صغيرة للإمام الحسين (عليه السّلام) ـ ويظنّ أنها سكينة (عليها السّلام) ـ فلاذت بنعش أبيها وجلست حوله وهي قابضة على كتفه، وكفّه في حضنها، فتارة تشمّ كتفه، وتارة تضع أصابعه على فؤادها، وتارة على عينها، وتأخذ من دمه الشريف وتخضب شعرها ووجهها وهي تقول:
«وا أبتاه! قتلك أقرّ عيون الشامتين، وسرّ المعاندين، يا أبا عبد الله! ألبستني بنو أميّة ثوب اليتم على صغر سنّي، يا أبتاه! إذا أظلم اللّيل من يحمي حماي، يا أبتاه! انظُر إلى رؤوسنا المكشوفة، وإلى أكبادنا الملهوفة، وإلى عمّتي المضروبة، وإلى أمّي المسحوبة».
قال: فذرفت عند ندبتها العيون، فأتاهم زجر وقال: إنّ الامير نادى مناديه بالرحيل، فهلمّوا واركبوا، فأتت البنت إليه وقالت: يا هذا! سألتك بالله وجدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنتم اليوم تقيمون أو ترحلون؟
قال: بل راحلون.
قالت: يا هذا! إذا عزمتم على الرحيل فسيروا بهذه النّسوة واتركوني عند والدي، فإنّي صغيرة السن ولا أستطيع الركوب، فاتركوني عند والدي أبكي عليه، فإذا متّ عنده سقط عنكم ذمامي ودمي.
فما كان من ذلك الجافي إلاّ أن دفعها عنه وأبعدها عنه، فلاذت الصغيرة بأبيها واستجارت به، فأتى إليها وجذبها من عند أبيها.
فقالت له: يا هذا! إنّ لي أخاً صغيراً فدعني أودّعه».
ثمّ اتجهت نحو أخيها تعدو نحوه، فلمّا أبصرت به انحنت عليه تلثمه وتقبّله، ثم جلست وتحسّرت، ورفعت جسد أخيها الصغير ووضعته في حجرها، ثم جعلت فمها على نحره الشريف وأخذت تلثمه وهي تقول:
«أخي يا أخي! لو خيّروني بين المقام عندك أو الرّحيل عنك، لاخترت المقام عندك، ولو أنّ السِّباع تأكل لحمي وتشرب دمي، ولكنّ الأمر ليس بيدي وإنّما أجبرونا على فراقك وهجرك، فها أنا راحلة عنك، غير جافية لك، وهذه نياق الرحيل تتجاذبنا على المسير، قد أتونا بها مهزولة، لا موطئة ولا مرحولة، وناقتي يا أخي مع هزلها، صعبة الانقياد، فلا أدري أين يريد بنا أهل العناد، فاقرأ جدّي عليَّ المرتضى وجدّتي فاطمة الزهراء عنّي السّلام، وقل لهما: إنّ أختي شاكية إليكما حالها، قد خرموا أذنيها، وفصموا خلخالها، وبينما هي تكلّم أخاها الصغير وإذا بزجر يقطع عليها كلامها، ويجذبها عن جسد أخيها، ويركبها قهراً.
فلمّا استوت على النّاقة التفتت إلى جسد أبيها وقالت:
يا أبة! ودّعتك الله السميع العليم، وأقرؤك السّلام، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم».
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ـ مثير الأحزان، 104-105:...
[2] ـ مقتل الحسين (عليه السّلام) للمقرّم، ص397:....
[3] ـ بحار الأنوار، ج45، ص155، عن أمالي الصدوق:....
[4] ـ بحار الأنوار: 45/ 47: ...
[5] ـ مقتل أبي مخنف، ص149، طبعة بيروت:.....
[6] ـ اللهوف، ص468:..
With best regard
Nibrass