بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا بعد كربلاء ؟
تشكل هذه الذكرى الأليمة ذكرى كربلاء الحسين رضوان الله عليه فاجعة أفجعت الأمة الإسلامية كلها، ففي مقتل سيد شباب أهل الجنة ، وحفيد خير البرية ، وابن الصديقة الطاهرة والإمام علي رضوان الله عليهم جمعيا، تشكل في طياتها الكثير من العبر والدروس والمآثر التي لا بد للأمة أن تستلهمها وتستفيد منها في حاضرها ومستقبلها ، كيف لا وقد وصلنا إلى ما وصلنا إليه من التفكك والضياع والفساد.
إننا مهما تكلمنا عن الإمام الحسين رضوان الله عليه فلن نوفيه حقه ، فهو كما جاء في أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ومعه أخوه الحسن " هما ريحانتاي في الدنيا " وقوله :" من أحبهما فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني " وقال أيضاً:"الحسن والحسين سبطان من الأسباط " والسبط هو ابن البنت ، والسبط تعني الأمّة .
نعم لقد كان الإمام الحسين رجل في أّمّة ،وأمّة في رجل .
لقد كان أمّة في الزهد ، والورع ، والتقوى.
لقد كان الإمام الحسين أمّة في الشجاعة ، والضحية ، والفداء .
إننا حينما ننظر إلى واقعة كربلاء وما حدث فيها من استشهاد الإمام الحسين رضوان الله عليه ، علينا أن ندرك أبعاد هذه الشخصية العظيمة ، وأبعاد هذه الحادثة الأليمة، لأننا بذلك نستطيع أن نحدد الأسباب والدوافع المحيطة بالقرار الجهادي والاستشهادي الذي اتخذه الإمام الحسين في سيره ومسيره إلى كربلاء .
من ذلك البيئة والأسرة التي نشأ وترعرع فيها ، واستمد منها السلوك ، فقد نشأ في بيت كريم ، وتحت رعاية أمه البتول فاطمة ، ووالده البطل المغوار الإمام علي رضي الله عنهما ، وكان الإمام الحسين يذكّر من حوله بهذه البيئة الطاهرة مستدركاً أن من كانت هذه بدايته لن يكون مسقبله إلا نتاجاً طبيعياً لها ، فكان يقول : يا قوم ألست أنا ابن بنت نبيكم ، وابن أول المؤمنين ؟ أليس حمزة سيد الشهداء عمي ؟ أليس جعفر الطيار في الجنة عمي ؟ ألم يقل جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ولديّ هذين سيدا شباب أهل الجنة ؟
لقد أكد المؤرخون أن الإمام الحسين كان يجمع ما بين الآخرة والدنيا من غير إفراط ولا تفريط ، فتراه في يومه وليله عابداً ناسكاً زاهداً كريماً محباً ومحبوباً ورعاً تقياً ، وتراه هو ذاته مجاهداً، مناضلاً ، ومقاتلاً ، صادحاً بالحق قوياً في دين الله .
نستلهم من هذه الذكرى وأبعادها الكثير منها :
1 - أن الإمام الحسين رضوان الله عليه هو وارث نبوي ، ورثه علماً وأخلاقاً وشكلاً ، فما كان للوارث النبوي أن يكون شاهد زور على واقع لا يرضاه ، ولا يحبه ، بل عليه أن يقارع الباطل ، وأن لا يستسلم له ، وعليه أن يحق الحق ويدافع عنه .
2 _ وعليه واجب شرعي أن لا يكون إمّعة ، إن أحسن الناس يحسن ، وإن أساء الناس يسيء ، بل عليه أن يمارس دوره كابن بيت النبوة ، لفرز الخبيث من الطيب ، والخير من الشر ، وقد أكد هذا الموقف الشرعي بقوله : إنا بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا ختم ... ألخ .
3 _ سلامة الهدف وسمو الغاية التي سعى لتحقيقها لأنها مطابقة وموافقة لتعاليم القرآن الكريم وسنة جده محمد عليه الصلاة والسلام ، لأن هذا الهدف وهذه الغاية تحدد المنهج للأمة وهي تواجه كل أنواع التسلط والظلم والقهر ، فقال في بيانه الذي رسم فيه منهجه : إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ، أريد أن آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر ، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن رد عليِّ هذا ، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين .
لا شك أن حادثة كربلاء فاجعة وخطيئة بحق الدين ، وبحق نبي الله محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، فإذا كان بكاء الحسين يؤذي رسول الله عليه الصلاة والسلام كما قال لفاطمة رضوان الله عليها يوم سمع حسيناً يبكي ، قال لها : ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني ، فكيف بما حدث يوم كربلاء؟
إن دروس عاشوراء كشيرة وكبيرة ومن أهما اليوم : أن الأمة حين تختلف وتتنازع ستخسر كل شيء ، كما قال تعالى :" ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " لأننا حينما نتنازع سنخسر أغلى ما نملك ، وستفقد الأمة أعزّ رجالها .
إن الأمة وهي تتذكر قادتها وقدوتها عليها أن تستحضر وتتذكر ضرورة وحدتها واتحادها ، وأن تنبذ الكراهية والعصبية المقيتة التي تدمر الأمم والشعوب ، وأن تكون الأمّة على مستوى الحسين في سموّه الروحي ، والأخلاقي ، والجهادي .
اللهم اجعلنا من أتباع الحسين ، وأنصار الحسين ، واجمعنا معه في جنات النعيم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإثنين يناير 03, 2011 9:51 am من طرف ????