[ الفتنه ]
الفتنة الغربية والشرقية على المسلمين
وردت كلمة ( الفتنة ) في القرآن الكريم والسنة الشريفة بمعنى عام ، ومعنى خاص . فالمعنى العالم : كل امتحان وابتلاء يتعرض له الانسان ، سواء كان من نفسه أو من الشيطان أو الناس ، فينجح فيه وينجو من الفتنة ، أو يسقط فيها . والمعنى الخاص : الاحداث والأوضاع التي تؤدي إلى افتتان المسلمين وانحرافهم عن دينهم . وهذا هو المعنى المقصود بالفتن الداخلية والخارجية التي أنذر منها النبي صلى الله عليه وآله . وقد روى الصحابة والتابعون على اختلاف مذاهبهم أحاديث عديدة حذر فيها النبي صلى الله عليه وآله من الفتن من بعده ، وكان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه معروفا بين الصحابة بأنه خبير بأحاديث الفتن ، لأنه كان يهتم بسؤال النبي صلى الله عليه وآله عنها ويحفظ ما يقوله . ولذا نجد كثيرا من أحاديث الفتن في المصادر مسندا إلى حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله أو عن أمير المؤمنين علي ( ع ) حيث كان حذيفة من خاصة أصحابه أيضا . وكان يقول رحمه الله كما روي عنه " ما من صاحب فتنة يبلغون ثلاث مئة انسان إلا لو شئت أن أسميه باسمه واسم أبيه ومسكنه إلى يوم القيامة . كل ذلك مما علمنيه رسول الله صلى الله عليه وآله " . ويقول " لو حدثتكم بكل ما أعلم ما رقبتم بي الليل " مخطوطة ابن حماد ص 1 - 2 ، أي لقتلتموني فورا وما انتظرتم بي إلى الليل . وقد بلغ من اهتمام المسلمين بأخبار الفتن أنها غلبت عند بعضهم أحيانا على أخبار المهدي عليه السلام وظهوره ، فعقد لها أصحاب الموسوعات الحديثية أبوابا وفصولا بعنوان " الفتن " أو " الملاحم والفتن " ومعنى الملاحم المعارك أو الاحداث المهمة التي أخبر النبي صلى الله عليه وآله بوقوعها . كما ألف عدد من الرواة والعلماء مؤلفات خاصة باسم الفتن ، والملاحم ، وما شابه ، جمعوا فيها الأحاديث الواردة فيها . وتتفاوت الأحاديث الشريفة في تعداد الفتن التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وحذر الأمة منها ، فيذكر عدد منها أنها خمس فتن ، ويذكر بعضها أنها أربع أو ست أو سبع وأكثر . ولعل السبب في اختلاف الرواة أو الروايات في عددها أن النبي صلى الله عليه وآله كان في بعض المقامات يعدد الفتن الداخلية ويصفها ، وفي بعضها يعدد الفتن الخارجية ويصفها . أو كان يذكر الفتن بحسب أنواعها وتأثيرها على المسلمين . والذي يهمنا هنا ليس البحث في تعدادها وبدايتها وتطبيقها على تاريخ المسلمين ، بل معرفة الفتنة الأخيرة منها ، التي يتفق الجميع على أنها تنجلي بظهور المهدي عليه السلام ، والتي تنطبق أوصافها وأحداثها الواردة في الأحاديث الشريفة على الفتنة الغربية التي عظم بلاؤها واشتدت وطأتها على شعوب الأمة في مطلع هذا القرن ، حيث غزانا الغربيون في عقر ديارنا ، وسيطروا على ثرواتنا ومقدراتنا وكل شؤوننا ، وشاركهم الأعداء الشرقيون فغزوا قسما من بلادنا ، وأزالوا منها كيان الاسلام ومعالمه ، وضموها إلى دولتهم . وهذه نماذج من الأحاديث الشريفة . عن النبي صلى الله عليه وآله قال " لتأتين على أمتي أربع فتن : الأولى تستحل فيها الدماء . والثانية تستحل فيها الدماء والأموال . والثالثة تستحل فيها الدماء والأموال والفروج . والرابعة صماء عمياء مطبقة ، تمور مور السفينة في البحر ، حتى لا يجد أحد من الناس ملجأ . تطير بالشام ، وتغشى العراق ، وتخبط الجزيرة بيدها ورجلها . يعرك الأنام فيها البلاء عرك الأديم ، لا يستطيع أحد أن يقول فيها مه مه ! لا ترفعونها من ناحية إلا انفتقت من ناحية أخرى " الملاحم والفتن ص 17 وغيره . وفي رواية " إذا ثارت فتنة فلسطين تردد في الشام تردد الماء في القربة ، ثم تنجلي حين تنجلي وأنتم قليل نادمون " ابن حماد ص 63 ، وسنذكره في دور اليهود في عصر الظهور . وفي رواية " تطيف بالشام ، وتغشى العراق ، وتعرك الجزيرة " ابن حماد - ص 9 ، وفي رواية أخرى " ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت ، حتى لا يبقى بيت إلا دخلته ، ولا مسلم لأصكته ، حتى يخرج رجل من أهل بيتي " ابن حماد - ص 10 . نلاحظ في هذا الحديث الشريف والأحاديث الكثيرة المشابهة له عدة صفات لهذه الفتنة ، التي هي الرابعة بحسب هذه الرواية والأخيرة بحسب كل الروايات : أولا : أن أخبارها بلغت حد التواتر الاجمالي في مصادر الشيعة أو السنة ، بمعنى أنه قد رواها رواة عديدون بالمعنى وإن اختلفت ألفاظ رواياتهم ، بحيث يحصل العلم للمتأمل أن مضمون هذه الأخبار قد صدر عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته ( ع ) . ثانيا : أنها فتنة عامة شاملة لكل أوضاع المسلمين الأمنية والثقافية والاقتصادية ، حيث تستحل فيها المحارم كلها كما في حديث آخر أيضا ، وحيث أنها " صماء عمياء " أي لا تسمع حتى تدفع بالكلام ، ولا ترى فتميز بين أحد وآخر ، بل تشمل الجميع وتطبق عليهم ، وتدخل كل بيت وتصك بضربتها شخصية كل مسلم ، وتموج بمجتمع المسلمين موجا شديدا كمور السفينة في البحر المضطرب ، ولا يجد أحد ملجأ من خطرها على دينه ودين أسرته ، ولا ملجأ من ظلم حكام الجور ومن معهم من الغربيين والشرقيين الذين يأتون ويتولون أمور الأمة كما ورد في حديث سيأتي ذكره " عندها يجئ قوم من المشرق وقوم من المغرب يلون أمتي " . ثالثا : أن شرها وبداية موجها يتركز على بلاد الشام " تطير بالشام " أي تبدأ من بلاد الشام ، ولذا سماها أعداؤنا منطقة ( الاشعاع الحضاري ) فكيف إذا أضفنا إلى ذلك زرع إسرائيل في بلاد الشام ، وفي رواية " تطيف بالشام " أي تحيط ببلاد الشام ، ثم تمتد إلى بقية بلاد العرب والمسلمين . بل أطلقت إحدى الروايات الشريفة عليها اسم " فتنة فلسطين " وأن موجها يتركز على أهل بلاد الشام أكثر من غيرهم . رابعا : أن هذه الفتنة تتمادى زمنا طويلا ولا ينفع معها أنصاف الحلول ، لأنها فتنة حضارية أعمق من حلول الترقيع والصلح ، ولان موج المقاومة في الأمة وموج عداوة العدو يفتق الحلول من ناحية أخرى " لا ترفعونها من ناحية إلا انفتقت من ناحية أخرى " وفي رواية " لا ترتقونها من جانب إلا انفتقت أو جاشت من جانب آخر " والمعنى واحد ، لان حلها يكون فقط بحركة التمهيد للمهدي في الأمة ، ثم بظهوره المبارك أرواحنا فداه . وقد صرحت العديد من رواياتها بأنها متصلة بظهور المهدي عليه السلام وأنها آخر الفتن ، وبعض رواياتها وان وردت مطلقة لم يصرح فيها بأنها الفتنة التي قبل ظهور المهدي ، ولكنها ذكرت أنها الفتنة الأخيرة ، ووصفتها بنفس الصفات . فتكون هي المقصودة لا محالة للمطلق على المقيد . إن هذه الصفات الأساسية في هذه الفتنة ، وصفات أخرى وردت في أحاديث أخرى سنذكر بعضها ، لا يمكن تطبيقها على أي فتنة داخلية أو › خارجية تعرضت لها الأمة الاسلامية من صدر الاسلام إلى عصرنا هذا ، سوى الفتنة الغربية . فهي لا تنطبق على الفتن الداخلية في صدر الاسلام وبعده ، ولا على فتنة الغزو المغولي ، ولا على فتنة الغزو الصليبي في مراحل حملاته التاريخية التي بدأت قبل نحو تسع مئة سنة ، وكانت في مد وجزر متباعدين . وانما تنطبق فقط على مرحلته الأخيرة حيث تمكن الغربيون من غزو الأمة غزوا كاملا ، ودخلت جيوشهم كل بلادها وأسقطوها صريعة في فتنتهم ، وزرعوا في قلبها قاعدة حلفائهم اليهود . وعن النبي صلى الله عليه وآله قال " والذي نفسي بيده ليلين أمتي قوم ، إذا تكلموا قتلوهم ، وإن سكتوا استباحوهم . ليستأثرن بفيئهم ، وليطأن حرماتهم ، وليسفكن دماءهم ، وليملان قلوبهم دغلا ورعبا ، فلا تراهم إلا وجلين خائفين مرعوبين . عندها يجئ قوم من المشرق وقوم من المغرب يلون أمتي ، فالويل لضعفاء أمتي منهم ، والويل لهم من الله ، لا يرحمون صغيرا ، ولا يوقرون كبيرا ، ولا يتجافون من شئ . جثثهم جثث الآدميين ، وقلوبهم قلوب الشياطين " بشارة الاسلام - ص 25 ، عن روضة الواعظين . وهذا الحديث الشريف يكشف عن الترابط بين الظلم الداخلي والاستعمار الخارجي ، ويجعل السبب في سيطرة الكفار الشرقيين والغربيين على الأمة جور حكامها وظلمهم لشعوبهم المسلمة ، وارهابهم وخنقهم لحرياتهم . لان ذلك يجعل الناس ناقمين على حكامهم مشغولين بمصيبتهم بهم عن دفع العدو الخارجي ، فيستغل العدو ذلك ويغزو بلادهم بحجة إنقاذهم من ظلم الحكام ، كما فعل نابليون في عزوه لمصر ، فقد وجه رسالة إلى المصريين عندما اقتربت سفنه من الساحل المصري ، يمدح فيها الاسلام ويظهر حبه له وأنه إنما جاء لينقذ المصريين من ظلم المماليك ! ثم واصل هذه الساسة الماكرة بعد احتلاله مصر ، حتى أنه لبس الزي المصري وأعلن إسلامه ، واحتفل بعيد المولد النبوي ! ثم استعملت بريطانيا وفرنسا وأمريكا وروسيا أساليب مشابهة ، مدعية أنها جاءت لتحرير شعوب المسلمين ، وما زالت تستعملها ، من أجل استمرار سيطرتها على بلاد المسلمين وتدخلها في شؤونهم . ومن الملاحظ أن هذه الصفات الست التي ذكرها الحديث الشريف تنطبق بدقة على جيل الحكام الذين مهدوا لسيطرة الغربيين والشرقيين ، كما تنطبق على حكام اليوم الذين يمهدون لاستمرار هذه السيطرة . والصفات هي : 1 - خنق حرية التعبير عن الرأي والقتل على الكلمة " إذا تكلموا قتلوهم " 2 - " وإن سكنوا استباحوهم " لان سياستهم قائمة على استباحة المسلمين حتى لو سكتوا عنهم . 3 - " ليستأثرن بفيئهم " والاستثئار بثروات البلاد من أصول سياسة حكامنا ، حتى كأنها ملك موروث لهم ولا سرهم ، وللمنافقين المقربين منهم . 4 - " وليطأن حرماتهم " وهو يشمل اعتداءهم على حرمة الدماء والكرامات والحريات وحرمة الأموال والاعراض . 5 - " وليسفكن دماءهم " ويشمل ذلك دماء الذين يتكلمون ضدهم ويقولون ربنا الله ، وغيرهم . 6 - وليملان قلوبهم دغلا ورعبا " لعل معنى الدغل هنا الحقد على الحاكم الجائر ، أو أن الظلم والجور يربي المسلمين على دغل نفوسهم على بعضهم . ‹ أما هؤلاء الشرقيون والغربيون الذين قال عنهم صلى الله عليه وآله " عندها يجئ قوم من المشرق وقوم من المغرب يلون أمتي " فلا ينطبق أمرهم الا على الروس والغربيين الذين استغلوا ظلم الحكام وغزوا بلاد المسلمين وتولوا أمورهم ، وما زالوا . قد يقال يمكن أن يكون المقصود بالقوم الذين يجيئون من المشرق والمغرب ، حركة العباسيين التي جاءت من مشرق الدولة الاسلامية ، وحركة الفاطميين التي جاءت من مغربها ، وكان ذلك على أثر ظلم الحكام الأمويين . أو يقال : يمكن أن يكون المقصود بهم الغزو المغولي الذي جاء من المشرق ، والحملات الصليبية التي جاءت من المغرب ، على أثر ظلم الحكام العباسيين . ولكن الظاهر من تعبير الحديث الشريف أنهم قوم من غير المسلمين يتسلطون على أمور المسلمين ، فلا ينطبق أمرهم على العباسيين والفاطميين . كما أنه لا ينطبق على المغول والحملات الصليبية السابقة ، لان الغربيين لم يتولوا أمور الأمة الاسلامية بسبب حملاتهم تلك ، وانما أسسوا إمارات صغيرة على سواحل بلاد الشام وكانوا محاصرين فيها ، ولان المغول تولوا أمرها لمدة قصيرة ثم أسلم من بقي منهم في بلادنا ، وذابوا في الأمة . والاهم من ذلك أن تسلط المغول والحملات الصليبية التاريخية لم ينتهيا بظهور المهدي عليه السلام ، بينما تنتهي سيطرة هؤلاء الشرقيين والغربيين وفتنتهم بظهور المهدي كما تصرح الأحاديث الأخرى . فينحصر انطباق أمرهم على الشرقيين والغربيين الفعليين من الروس والأوربيين والأمريكيين خاصة بملاحظة الصفات الدقيقة في آخر الحديث لشخصياتهم وسياساتهم . وعلى أي حال ، فهم ورثة المغول الشرقين ، والصليبيين الغربيين ، لان الروس على الأرجح هم المعبر عنهم بالترك في أحاديث الظهور ، والغربيين هم الروم ، كما ستعرف إن شاء الله تعالى . وعن النبي صلى الله عليه وآله قال " لا يزال بكم الامر حتى يولد في الفتنة والجور من لا يعرف غيرها ، حتى تملأ الأرض جورا فلا يقدر أحد يقول : الله . ثم يبعث الله عز وجل رجلا مني ومن عترتي فيملأ الأرض عدلا كما ملاها من كان قبله جورا " البحار ج 51 ص 68 . وهذا الحديث الشريف يدل على أن الفتنة الأخيرة تستمر أجيالا حتى يولد فيها الجيل من أبناء المسلمين لا يعرف فكرا غير فكر الانحراف عن الدين ، ولا سياسة غير سياسة الظلم والجور . وهو تعبير دقيق عن أجواء الثقافة الغربية وسياسة حكوماتها المسيطرة على بلادنا ، التي ينشأ الطفل المسلم في ظلها وهو لا يعرف شيئا عن أجواء الاسلام وثقافته وعدله ، إلا من هيأ الله تعالى له أسباب الهداية والعصمة . ومعنى قوله صلى الله عليه وآله " حتى تملأ الأرض جورا فلا يقدر أحد يقول ، الله " أن قوانين الظلم والجور وسياسات الظالمين الجائرين تشمل كل مرافق الحياة ومناطقها . وهذا ما حدث بعد غزو الغربيين . فقبل سيطرتهم كانت توجد بعض المناطق والمجالات في حياة المسلمين لا يشملها الظلم والجور ، أما بعد غزوهم وسيطرة فتنتهم وحكام الجور الجدد من قبلهم ، فقد عمت سياسات ظلمهم جميع البلاد والمرافق ، وخنقوا أصواب المسلمين حتى لا يقدر أحد يقول : نحن مسلمون ربنا الله تعالى ، ونريد تطبيق أحكام الاسلام . أو يقول : إن الله تعالى يأمرنا برفض الظلم والجور والثورة عليه . أو يقول : إن حكم الله تعالى في شأن هذا الحاكم أنه يجب قتله أو عزله ، وفي هذا ‹ القانون أنه يجب مقاومته تغييره . الخ . وليس معناه كما يتصور بعضهم أنه لا يقدر أحد أن يذكر اسم الله تعالى مطلقا ، فإن الذي يثير الكفار والجبابرة والظالمين وحتى الملحدين ، انما هو ذكر اسمه تعالى عندما يمس بكفرهم وظلمهم وتسلطهم . وفي رواية " حتى لا يقدر أحد أن يقول لا إله إلا الله " وهي أوضح في أن المقصود أنه لا يقدر أحد أن يعلن توحيد الله تعالى بالحاكمية ، ورفض حاكمية الكفار والظالمين الذين لا يحكمون بشريعته عز وجل . وعن أمير المؤمنين ( ع ) قال " إن دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان ، ولها إمارات . فإذا استثارت عليكم والترك ، وجهزت الجيوش . ويتخالف الترك والروم ، وتكثر الحروب في الأرض " البحار ج 52 ص 208 . وكلامه عليه السلام واضح في أن فتنة الروم والترك وتحركهم لغزو بلادنا من امارات ظهور المهدي عليه السلام . وتعبير " استثارت " تعبير دقيق ، أي تحركت ذاتيا على بلادنا الاسلامية من أجل التسلط عليها واستثمارها . وكذلك تعبير " ويتخالف الترك والروم " وذلك في صراعهم على تقاسم النفوذ والسيطرة بعد أن كانوا متخالفين . ولكنهم يبقون في نفس والوقت متفقين في عدائهم لنا ، ومتعاونين في استثارتهم ضدنا وتجهيزهم الجيوش ، كما هو واقعهم . " وتكثر الحروب في الأرض " كما نرى أنه لا تخلو قارة من حرب أو أكثر ، ولا تهدأ حرب حتى تنفتح حرب أخرى أو أكثر ، كل ذلك بسبب استثارة الروم والترك وتخالفهم ، ومعهم ومن ورائهم اليهود يشعلون فتيل الحروب كلما استطاعوا وأينما استطاعوا . وسيأتي تفسير المقصود بالروم والترك . وعن أمير المؤمنين ( ع ) قال " أيها الناس ، سلوني قبل أن تفقدوني ، فإن بين جوانحي علما جما ، فسلوني قبل أن تشغر برجلها فتنة شرقية وتطأ في خطامها بعد موتها وحياتها ( موت وحياة خ . ل ) أو تشب نار بالحطب الجزل من غربي الأرض ، رافعة ذيلها ، تدعو يا ويلها ، بذحلة أو مثلها ( لرحلة ومثلها خ . ل ) . فإذا استدار الفلك ، قلتم مات أو هلك ، بأي واد سلك . فيومئذ تأويل هذه لايات " ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا " . ولذلك آيات وعلامات . " البحار ج 52 ص 272 - 273 . فهو يتحدث عليه السلام عن دمار واسع في الغرب في ( حطبه الجزل ) الكثير القابل للاشتعال ، وذلك بسبب فتنة في منطقة الشرق ، أو بسبب إثارة الترك الشرقيين آي الروس ، نار الحرب على الروم . وسيأتي ذكر الحديث في أحاديث الحرب العالمية التي نرجح أن يكون وقوعها كما تذكر الأحاديث في سنة ظهور المهدي عليه السلام . وعن النبي صلى الله عليه وآله قال " ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه ، حتى تضيق بهم الأرض الرحبة ، وحتى تملأ الأرض جورا وظلما حتى لا يجد المؤمن ملجأ يلجأ إليه من الظلم . حتى يبعث الله عز وجل رجلا من عترتي يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت ظلما وجورا . يرضى عنه ساكن المساء وساكن الأرض . لا تدخر الأرض من بذرها شيئا إلا أخرجته ، ولا السماء من قطرها إلا صبته عليهم مدرارا " بشارة الاسلام ص 28 ، عن عقد الدرر للسلمي . وعن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وآله قال " ويح هذه الأمة من ملوك جبابرة كيف يقتلون ويطردون المسلمين إلا من أظهر طاعتهم . فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه ويفر منهم بقلبه . فإذا أراد الله تبارك وتعالى أن يعيد الاسلام عزيزا قصم ظهر كل جبار عنيد ، وهو القادر على ما يشاء ، وأصلح الأمة بعد فسادها . يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي ، يظهر الاسلام ، والله لا يخلف وعده ، وهو على كل شئ قدير " بشارة الاسلام ص 29 ، عن ينابيع المودة . وعنه صلى الله عليه وآله قال " يوشك أن تداعى عليكم الأمم ، تداعى الأكلة على قضعتها . وأنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل . ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن ، من حب الدنيا وكراهية الموت " الملاحم والفتن ص 129 ، وهي أحاديث واضحة بليغة عليها نور النبوة ، تصور حالة الأمة مع حكامها الجائرين ، ومع عدوها المتسلط ، وتبشر بالفرج بظهور المهدي عليه السلام . وعنه صلى الله عليه وآله قال " ويل للعرب من شر قد اقترب . ألا جنحة وما الأجنحة ، ريح قفا هبوبها ، وريح تهيج هبوبها ، وريح تراخى هبوبها ، ويل لهم من قتل ذريع . وموت سريع ، وجوع فظيع . يصب عليهم البلاء صبا " مخطوطة ابن حماد ص 53 . ويحتمل أن يكون المقصود بهذه لأجنحة الطائرات ومجيئها كالريح سريعة وبطيئة تزرع القتل الذريع والموت السريع ، أو ريح موج قنابلها القوي والضعيف . كما يحتمل أن تكون هي الأجنحة الوارد ذكرها في معركة المهدي عليه السلام مع السفياني ، ومن معه من العرب المدافعين عن اليهود والروم في معركة فتح القدس ، حيث ورد في مخطوطة ابن حماد ص 124 " ثم يسلط الله على الروم ريحا وطيرا تضرب وجوههم بأجنحتها فتفقأ أعينهم وتتصدع بهم الأرض " وقد تكون أجنحة طيور حقيقية من قبيل طير الأبابيل ، أو أجنحة وسائل حرب يستعملها المهدي عليه السلام ، من قبيل الطائرات ، وسيأتي ذكرها في معركة القدس الكبري في حركة الظهور . وعنه صلى الله عليه وآله قال " يستخدم المشركون المسلمين ويبيعونهم في الأمصار ، ولا يتحاشى لذلك برو لا فاجر . ولا يزال ذلك البلاء على أهل ذلك الزمان ، حتى إذا يئسوا وقنطوا وأساؤوا الظن أن لا يفرج عنهم ، إذ بعث الله رجلا من أطايب عترتي وأبرار ذريتي ، عدلا مباركا زكيا ، لا يغادر مثقال ذرة ، يعز الله به الدين والقرآن والاسلام وأهله ، ويذل به الشرك وأهله . يكون من الله على حذر ، لا يغتر بقرابة ، ولا يضع حجرا على حجر ، ولا يقرع أحدا في ولايته بسوط إلا في حد . يمحو الله به البدع كلها ، ويميت الفتن كلها . يفتح الله به باب ( كل ) حق ، ويغلق به باب كل باطل . يرد به سبي المسلمين حيث كانوا " الملاحم والفتن ص 108 . وهو حديث يصور حالة استضعاف المسلمين المؤلمة ، وبيعهم وشراءهم وسبيهم في البلاد . وهي حالة لا تقتصر في عصرنا على المسلمين الذين يعملون عند المشركين خدما وموظفين محتقرين ، بل تشمل بيع المشركين لشعوبنا الاسلامية وشراءها وتهجيرها وسبيها . ثم يذكر الحديث الشريف ظهور المهدي المنقذ أرواحنا فداه ، فجأة في حالة اليأس والاستضعاف .