معجزة عظيمة
من معجزات النبى صلى الله عليه وآله باقتراح اليهود
فقالوا: يا
محمد زعمت أنه ما في قلوبنا شئ من مواساة الفقراء، ومعاونة الضعفاء والنفقة في
إبطال الباطل، وإحقاق الحق، وأن الاحجار ألين من قلوبنا، وأطوع لله منا، وهذه
الجبال بحضرتنا، فهلم بنا إلى بعضها، فاستشهده على تصديقك وتكذيبنا فان نطق بتصديقك
فأنت المحق، يلزمنا اتباعك، وإن نطق بتكذيبك أو صمت فلم يرد جوابك، فاعلم بانك
المبطل في دعواك، المعاند لهواك.
فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله: نعم هلموا بنا إلى أيها شئتم أستشهده، ليشهد لي عليكم
فخرجوا إلى أوعر جبل رأوه، فقالوا: يا محمد هذا الجبل فاستشهده.
[287]
فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله للجبل: إني أسألك بجاه محمد وآله الطيبين الذين بذكر
أسمائهم خفف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكه
وهم خلق كثير لا يعرف عددهم غير الله عزوجل.
وبحق محمد
وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم تاب الله على آدم، وغفر خطيئته وأعاده إلى
مرتبته.
وبحق محمد
وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم وسؤال الله بهم رفع إدريس في الجنة [مكانا] عليا،
لما شهدت لمحمد بما أودعك الله بتصديقه على هؤلاء اليهود في ذكر قساوة قلوبهم،
وتكذيبهم وجحدهم لقول محمد رسول الله صلى الله عليه وآله.
فتحرك الجبل
وتزلزل، وفاض منه الماء ونادى: يا محمد أشهد أنك رسول [الله] رب العالمين، وسيد
الخلائق أجمعين.
وأشهد أن قلوب
هؤلاء اليهود كما وصفت أقسى من الحجارة، لا يخرج منها خير كما قد يخرج من الحجارة
الماء سيلا أو تفجيرا.
وأشهد أن
هولاء كاذبون عليك فيما به يقرفونك(1) من الفرية على رب العالمين ثم قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: وأسألك أيها الجبل، أمرك الله بطاعتي فيما ألتمسه(2) منك بجاه
محمد وآله الطيبين؟ الذين بهم نجى الله تعالى نوحا عليه السلام من الكرب العظيم،
وبرد الله النار على إبراهيم عليه السلام وجعلها عليه سلاما(3) ومكنه في جوف النار
على سرير وفراش وثير، لم ير ذلك الطاغية مثله لاحد من ملوك الارض أجمعين وأنبت
حواليه من الاشجار الخضرة النضرة النزهة، وغمر ما حوله من أنواع المنثور(4) بما لا
يوجد إلا في فصول أربعة من جميع السنة.
قال الجبل:
بلى، أشهد لك يا محمد بذلك، وأشهد أنك لو اقترحت على ربك أن يجعل رجال الدنيا قردة
وخنازير لفعل، أو يجعلهم ملائكة لفعل، وأن يقلب
النيران جليدا، والجليد نيرانا
لفعل، أو يهبط السماء إلى الارض، أو يرفع
الارض إلى السماء لفعل، أو يصير أطراف
المشارق والمغارب والوهاد كلها صرة كصرة الكيس لفعل وأنه قد جعل الارض والسماء
طوعك، والجبال والبحار تنصرف بأمرك، وسائر ما خلق الله من الرياح والصواعق وجوارح
الانسان وأعضاء الحيوان لك مطيعة، وما أمرتها [به] من شئ ائتمرت.
فقال اليهود:
يا محمد أعلينا تلبس وتشبه؟ ! قد أجلست مردة من أصحابك خلف صخور هذا الجبل، فهم
ينطقون بهذا الكلام، ونحن لا ندري(1) أنسمع من الرجال أم من الجبل !؟ لا يغتر بمثل
هذا إلا ضعفاؤك الذين تبحبح(2) في عقولهم، فان كنت صادقا فتنح عن موضعك هذا إلى ذلك
القرار، وامر هذا الجبل أن ينقلع من أصله، فيسير إليك إلى هناك، فاذا حضرك - ونحن
نشاهده -.
فأمره أن
ينقطع نصفين من ارتفاع سمكه، ثم ترتفع السفلى من قطعتيه فوق العليا وتنخفض العليا
تحت السفلى، فاذا أصل الجبل قلته وقلته أصله، لنعلم أنه من الله لا يتفق بمواطأة،
ولا بمعاونة مموهين متمردين.
فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله - وأشار إلى حجر فيه قدر خمسة أرطال -: يا أيها الحجر
تدحرج.
فتدحرج، ثم
قال لمخاطبه: خذه وقربه من اذنك، فسيعيد عليك ما سمعت فان هذا جزء من ذلك
الجبل.
فأخذه الرجل،
فأدناه إلى اذنه، فنطق به الحجر بمثل ما نطق به الجبل أولا من
___________________________________
[size=16]تصديق رسول
الله صلى الله عليه وآله فيما ذكره عن قلوب اليهود، وفيما أخبر به من أن نفقاتهم في
دفع أمر محمد صلى الله عليه وآله باطل، ووبال عليهم.
فقال [له]
رسول الله صلى الله عليه وآله: أسمعت هذا؟ أخلف هذا الحجر أحد يكلمك [ويوهمك أنه
يكلمك؟] قال: لا، فاتني بما اقترحت في الجبل.
فتباعد رسول
الله صلى الله عليه وآله إلى فضاء واسع، ثم نادى الجبل: يا أيها الجبل بحق محمد
وآله الطيبين الذين بجاههم(ومسألة عباد الله)(1) بهم أرسل الله على قوم عاد ريحا
صرصرا عاتية، تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل خاوية، وأمر جبرئيل أن يصيح صيحة [هائلة]
في قوم صالح عليه السلام حتى صاروا كهشيم المحتظر، لما انقلعت من مكانك باذن الله،
وجئت إلى حضرتي هذه - ووضع يده على الارض بين يديه.
[قال:] فتزلزل
الجبل وسار كالقارح(2) الهملاج حتى [صار بين يديه، و] دنا من إصبعه أصله فلزق(3)
بها، ووقف ونادى: [ها] أنا سامع لك مطيع يا رسول(رب العالمين)(4) وإن رغمت انوف
هؤلاء المعاندين مرني بأمرك يا رسول الله.
فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله: إن هؤلاء [المعاندين] اقترحوا علي أن آمرك أن تنقلع من
أصلك، فتصير نصفين، ثم ينحط أعلاك، ويرتفع أسفلك، فتصير ذروتك أصلك وأصلك
ذروتك.
فقال الجبل:
أفتأمرني بذلك يا رسول الله رب العالمين؟ قال: بلى.
فانقطع
[الجبل] نصفين وانحط أعلاه إلى الارض، وارتفع أسلفه(5) فوق أعلاه
___________________________________
[/size]
فصار فرعه
أصله، وأصله فرعه.
ثم نادى
الجبل: معاشر اليهود هذا الذي ترون دون معجزات موسى الذي تزعمون أنكم به مؤمنون !؟
فنظر اليهود بعضهم إلى بعض فقال بعضهم: ما عن هذا محيص.
وقال آخرون
منهم: هذا رجل مبخوت(1) يؤتى له، والمبخوت يتأتى له العجائب فلا يغرنكم ما تشاهدون
[منه].
فناداهم
الجبل: يا أعداء الله قد أبطلتم بما تقولون نبوة موسى عليه السلام هلا قلتم لموسى:
إن قلب العصا ثعبانا، وانفلاق البحر طرقا، ووقوف الجبل كالظلة(2) فوقكم إنك يؤتى
لك(3) يأتيك جدك(4) بالعجائب، فلا يغرنا ما نشاهده منك.
فألقمتهم
الجبال - بمقالتها - الصخور، ولزمتهم(5) حجة رب العالمين(6) قوله عزوجل: " أفتطمعون
أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم
يعلمون، واذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا واذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم
بما فتح الله
عليكم
ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون.
أولا يعلمون
أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ": 75 - 77 .
142 - قال
الامام عليه السلام: فلما بهر رسول الله صلى الله عليه وآله هؤلاء اليهود بمعجزته،
وقطع معاذيرهم بواضح دلالته، لم يمكنهم مراجعته(1) في حجته، ولا إدخال التلبيس عليه
في معجزته فقالوا: يا محمد قد آمنا بأنك الرسول الهادي المهدي، وأن عليا أخاك هو
الوصي والولي.
وكانوا إذا
خلوا باليهود الآخرين يقولون [لهم:] إن إظهارنا له الايمان به أمكن لنا من(2)
مكروهه، وأعون لنا على اصطلامه(3) واصطلام أصحابه، لانهم عند اعتقادهم أننا معهم
يقفوننا على أسرارهم، ولا يكتموننا شيئا، فنطلع عليهم أعداءهم، فيقصدون أذاهم
بمعاونتنا ومظاهرتنا في أوقات اشتغالهم واضطرابهم، وفي أحوال تعذر المدافعة
والامتناع من الاعداء عليهم.
وكانوا مع ذلك
ينكرون على سائر اليهود إخبار الناس عما كانوا يشاهدونه من آياته، ويعاينونه من
معجزاته، فأظهر الله تعالى محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله على سوء اعتقادهم،
وقبح [أخلاقهم و] دخلاتهم(4) وعلى إنكارهم على من اعترف بما شاهده من آيات محمد
وواضح بيناته، وباهر معجزاته.
فقال عزوجل:
يا محمد(أفتطمعون) أنت وأصحابك من علي وآله الطيبين(أن يؤمنوا لكم) هؤلاء اليهود
الذين هم بحجج الله قد بهرتموهم، وبآيات الله ودلائله الواضحة قد قهرتموهم، أن
يؤمنوا لكم، ويصدقوكم بقلوبهم، ويبدوا في
___________________________________
الخلوات
لشياطينهم شريف أحوالكم.
(وقد كان فريق
منهم) يعني من هؤلاء اليهود من بني إسرائيل(يسمعون كلام الله) في أصل جبل طور
سيناء، وأوامره ونواهيه(ثم يحرفونه) عما سمعوه إذا أدوه إلى من وراءهم من سائر بني
إسرائيل(من بعد ما عقلوه) وعلموا أنهم فيما يقولونه كاذبون(وهم يعلمون) أنهم في
قيلهم كاذبون.
وذلك أنهم لما
صاروا مع موسى إلى الجبل، فسمعوا كلام الله، ووقفوا على أوامره، ونواهيه، رجعوا
فأدوه إلى من بعدهم فشق عليهم، فأما المؤمنون منهم فثبتوا على إيمانهم وصدقوا في
نياتهم.
وأما أسلاف
هؤلاء اليهود الذين نافقوا رسول الله صلى الله عليه وآله في هذه القضية فانهم قالوا
لبني إسرائيل: إن الله تعالى قال لنا هذا، وأمرنا بما ذكرناه لكم ونهانا، وأتبع ذلك
بأنكم إن صعب عليكم ما أمرتكم به فلا عليكم أن [لا تفعلوه، وإن صعب عليكم ما عنه
نهيتكم فلا عليكم أن] ترتكبوه وتواقعوه.
[هذا] وهم
يعلمون أنهم بقولهم هذا كاذبون.
ثم أظهر الله
تعالى(على نفاقهم الآخر)(1) مع جهلهم.
فقال
عزوجل
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) كانوا إذا لقوا سلمان والمقداد وأباذر
وعمارا قالوا آمنا كايمانكم، إيمانا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله، مقرونا
[بالايمان] بامامة أخيه علي بن أبي طالب عليه السلام، وبأنه أخوه الهادي، ووزيره
[الموالي](2) وخليفته على امته ومنجز عدته، والوافي بذمته(3) والناهض بأعباء
سياسته، وقيم الخلق، والذائد لهم عن سخط الرحمن الموجب لهم - إن أطاعوه - رضى
الرحمن.
وأن خلفاءه
من بعده هم النجوم الزاهرة، والاقمار المنيرة، والشموس المضيئة
___________________________________
الباهرة، وأن
أولياهم أولياء الله، وأن أعداءهم أعداء الله.
ويقول بعضهم:
نشهد أن محمدا صاحب المعجزات، ومقيم الدلالات الواضحات.
هو الذى لما
تواطأت قريش على قتله، وطلبوه فقدا(1) لروحه أيبس الله تعالى أيديهم فلم تعمل،
وأرجلهم فلم تنهض، حتى رجعوا عنه خائبين(2) مغلوبين، ولو شاء محمد وحده قتلهم
أجمعين.
وهو الذى لما
جاءته قريش، وأشخصته إلى هبل ليحكم عليه بصدقهم وكذبه خر هبل لوجهه، وشهد له
بنبوته، وشهد لاخيه علي بامامته، ولاوليائه من بعده بوراثته والقيام بسياسته
وإمامته.
وهو الذى لما
ألجأته قريش إلى الشعب ووكلو ببابه من يمنع من إيصال قوت(3) ومن خروج أحد عنه، خوفا
أن يطلب لهم قوتا، غذى هناك كافرهم ومؤمنهم أفضل من المن والسلوى، وكل ما اشتهى كل
واحد منهم من أنواع الاطعمات الطيبات، ومن أصناف الحلاوات، وكساهم أحسن الكسوات،
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله بين أظهرهم إذا رآهم وقد ضاق لضيق فجهم(4)
صدورهم.
قال بيده(5)
هكذا بيمناه إلى الجبال، وهكذا بيسراه إلى الجبال، وقال لها: اندقعي.
فتندفع،
وتتأخر حتى يصيروا بذلك في صحراء لا يرى طرفاها، ثم يقول بيده هكذا، ويقول: أطلعي
يا أيتها المودعات لمحمد وأنصاره(6) ما أودعكموها الله من الاشجار والثمار
[والانهار] وأنواع الزهر والنبات، فتطلع من الاشجار الباسقة، والرياحين المونقة،
والخضروات النزهة ما تتمتع به القلوب والابصار وتنجلي به الهموم والغموم والافكار،
ويعلمون أنه ليس
___________________________________
لاحد من ملوك الارض مثل صحرائهم على ما تشتمل عليهم من عجائب أشجارها، وتهدل
أثمارها، واطراد أنهارها، وغضارة رياحينها، وحسن نباتها.