نسيم الصبا
في السماء وزينتها
أيقظتني ليلة دواعي الهموم، فنظرت نظرة في النجوم فإذا السماء كأنها روضة مزهرة، أو صرح كنَّسُ جواريه مسفرة، أو غدير تطفو عليه الفواقع، أو بنفسج نور أقاحه لامع، أو مسح ألقي عليه دررُ غواص، أو ستر به لعين كل نجم وصواص، أو جمر في خلال رماد، أو كما قال من أجاد:
بساط زمرد نثرت عليه ... دنانير تخالطها دراهم
ونهر المجرة يجري في سندسها، ويسري ليسقي ذابل نرجسها، وياله من نهر صفا ماؤه، وعقد على الأفق لواؤه، ينقلب القلب إليه، ويقف طِرف الطرف عليه، ويقبل نحوه الدبران، وينصب على شطه الميزان، ويحوم حوله النسران، ويعوم فيه الحوت والسرطان
والثريا كأكرة أو كجام ... أو بنان أو طائر أو وشاح
أو باقة من نرجس، أو كأس يدار في المجلس، أو شمع يتوقد، أو شمس من عسجد، أو شذر منضود، أو كرم أو عنقود، أو عقد لؤلؤ حسن الاتساق، أو أقراط خَود ترتعد فرقاً من الفراق:
وسهيل كوجنة الحب في اللو ... ن وقلب المحب في الخفقان
أو كمصباح تلعب به أيدي الرياح، أوظامىء يريد أن يرد، أو فارس في حمي الحمى مجتهد، أو مُشوق يتبع الآثار، أو غريب لا يزور ولا يزار، أو غريق يدعي قوة السباحة، أو ماجد أنف من الذل فألف السباحة، أو مغاضب يدعى فلا يجيب، أو محب يغض الطرف و يفتحه خوف الرقيب، والجوزاء النيرة كالشجرة المنورة:
كأنها منطقة من ذهب ... قد عقدت على قباء أزرق
والفرقدان الهاديان المرشدان:
كأنهما إلفان قال كلاهما ... لشخص أخيه: قل فإني سامع
والذراع يذرع شقة الأفق، والجبهة تسجد على مفارق الطرق،والعيوق يعوق عن السير إذا سار، والعوا أعينها نشاوى قد تغشاها خمار، والسماك معتقل رمحه، والنثرة منتظمة كالسُبحة، والنعائم تحدوها النعامى، وزهرة الزهرة تضيء بين الخزامى، وبهرام يُخجل البهرمان، والإكليل ليس يكل من مسايرة الأظعان، والمقدم لا يتأخر عن الإعناق والإيجاف، والصرفة قد همت مع العسكر بالانصراف:
تمر بوادياً ليلاً وتطوى ... نهاراً مثل ما طوي الإزار
فكم بصقالها صدي البرايا ... وما يصدى لها أبداً غرار
فبينما أنا أسرح في درر الدراري نظري، وأروّض في رياضها جواد فكري. وأقدس من هي مسخرات بأمره، وأنزه من هدى خلقه بها في بره وبحره، إذ هب نسيم السحر يروي عن أهل نجد أطيب الخبر، فعطر الكون بعرفه، وملك الرق برقته ولطفه، وأهدى الروح إلى الأرواح، وأطرب السمع بأحاديثه الصحاح:
فهو حياة لكل حي ... كأن أنفاسه نفوس
فاستبشرت بوروده، وحصلت على الفائدة من وفوده، وسرّ بمناجاته سرّي، وقلت له والدموع تجري:
أعد ذكر من حل الغضا يا محدثي ... وإن أضرموه بالأضالع والصدر
ولا تنس سكان العقيق وإن هم ... على وجنتي أجرَوه في مدة الهجر
فلما أتمت الإنشاء، والانشاد وشرعت في طلب الإسعاف والإسعاد؛ تبسم الفجر ضاحكاً من شرقه، ونصب أعلامه على منازل أفقه، فانطوى نشر الليل، وكف من غمره الذيل، وارتفعت الحجب، وتأججت نار الشهب، واقتنص بازي الضوء غراب الظلام، وفضّ كافور النور عن الغسق مسك الختام:
وشردّ الصبح عنا الليل فاتضحت ... سطوره البيض في ألواحه السود
وفلت جيوش الدجا، وحرك النهار منه ما سجا، وجنح جنحه إلى الرحيل، وتلا لسان حال التحويل: " يقلب الله الليل والنهار، إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار "