الطب النبوي - ابن القيم الجوزي
فصل ) والحمية المفرطة في الصحة ، كالتخليط في المرض . والحمية المعتدلة نافعة . وقال جالينوس لأصحابه : " اجتنبوا ثلاثا ، وعليكم بأربع . ولا حاجة لكم إلى طبيب . اجتنبوا الغبار والدخان والنتن . وعليكم بالدسم والطيب والحلوى والحمام . ولا تأكلوا فوق شبعكم ، ولا تتخللوا بالباذروج ( 1 ) والريحان ، ولا تأكلوا الجوز عند المساء . ولا ينم ( 2 ) من به زكمة على قفاه ، ولا يأكل من به غم حامضا . ولا يسرع المشي من افتصد : فإنه يكون مخاطرة ( 3 ) الموت . ولا يتقيأ من تؤلمه عينه . ولا تأكلوا في الصيف لحما كثيرا . ولا ينم صاحب الحمى الباردة في الشمس . ولا تقربوا الباذنجان العتيق المبزر . ومن شرب كل يوم في الشتاء ، قدحا من ماء حار ، أمن من الاعلال . ومن دلك جسمه في الحمام بقشور الرمان ، أمن من الجرب والحكة . ومن أكل خمس سوسنات - مع قليل من مصطكي رومي . وعود خام ، ومسك - بقى طول عمره لا تضعف معدته ولا تفسد . ومن أكل بزر البطيخ مع السكر ، نظف الحصى ( 4 ) من معدته ، وزالت عنه حرقة البول . ( فصل ) أربعة تهدم البدن : الهم ، والحزن ، والجوع ، والسهر . ‹ صفحة 323 › وأربعة تفرح : النظر إلى الخضرة ، وإلى الماء الجاري ، والمحبوب ، والثمار . وأربعة تظلم البصر : المشي حافيا ، والتصبح والامساء ( 1 ) بوجه البغيض والثقيل والعدو ، وكثرة البكاء ، وكثرة النظر في الخط الدقيق . وأربعة تقوى الجسم : لبس الثوب الناعم ، ودخول الحمام المعتدل ، وأكل الطعام الحلو والدسم ، وشم الروائح الطيبة . وأربعة تيبس الوجه ، وتذهب ماءه وبهجته وطلاقته - : الكذب ، والوقاحة ، وكثرة السؤال عن غير علم ، وكثرة الفجور . وأربعة تزيد في ماء الوجه وبهجته : المروءة ، والوفاء ، والكرم ، والتقوى . وأربعة تجلب البغضاء والمقت : الكبر ، والحسد ، والكذب ، والنميمة . وأربعة تجلب الرزق : قيام الليل ، وكثرة الاستغفار بالاسحار ، وتعاهد الصدقة ، والذكر أول النهار وآخره . وأربعة تمنع الرزق : نوم الصبحة ( 2 ) ، وقلة الصلاة ، والكسل ، والخيانة . وأربعة تضر بالفهم والذهن : إدمان أكل الحامض والفواكه ، والنوم على القفا ، والهم ، والغم . وأربعة تزيد في الفهم : فراغ القلب ، وقلة ( 3 ) التملي من الطعام والشراب ، وحسن تدبير الغذاء بالأشياء الحلوة والدسمة ، وإخراج الفضلات المثقلة للبدن . ومما يضر بالعقل : إدمان أكل البصل والباقلا والزيتون والباذنجان ، وكثرة الجماع ، والوحدة ، والأفكار ، والسكر ، وكثرة الضحك ، والغم . ‹ صفحة 324 › وقال بعض أهل النظر : " قطعت في ثلاث مجالس ، فلم أجد لذلك علة : إلا أنى أكثرت من أكل الباذنجان في أحد تلك الأيام ، ومن الزيتون في الآخر ، ومن الباقلا في الثالث " . ( فصل ) قد أتينا على جمل نافعة من أجزاء الطب العلمي ، لعل الناظر فيها لا يظفر بكثير منها إلا في هذا الكتاب . وأريناك قرب ما بينها وبين الشريعة ، وأن الطب النبوي : نسبة طب الطبائعيين إليه ، أقل من نسبة طب العجائز إلى طبهم . والامر فوق ما ذكرناه ، وأعظم مما وصفناه بكثير . ولكن : فيما ذكرناه تنبيه باليسير على ما وراءه . ومن لم يرزقه الله بصيرة على التفصيل ، فليعلم ما بين القوة المؤيدة بالوحي من عند الله ، والعلوم التي رزقها الله الأنبياء ، والعقول والبصائر التي منحهم الله إياها ، وبين ما عند غيرهم . ولعل قائلا يقول : ما لهدى ( 1 ) الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما لهذا ( الباب ) وذكر قوى الأدوية وقوانين العلاج ، وتدبير أمر الصحة ؟ ! . وهذا من تقصير هذا القائل ، في فهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم . فإن هذا وأضعافه ، وأضعاف أضعافه - : من فهم بعض ما جاء به ، وإرشاده إليه ، ودلالته عليه . وحسن الفهم عن الله ورسوله : من يمن الله به على من يشاء من عباده . فقد أوجدناك أصول الطب الثلاثة في القرآن . وكيف تنكر أن تكون شريعة المبعوث بصلاح الدنيا والآخرة ، مشتملة على صلاح الأبدان : كاشتمالها على صلاح القلوب ، وأنها مرشدة إلى حفظ صحتها ، ودفع آفاتها ، بطرق كلية : قدو كل تفصيلها إلى العقل الصحيح والفطرة ‹ صفحة 325 › السليمة ، بطريق القياس والتنبيه والايماء ، كما هو في كثير من مسائل فروع الفقه . ولا تكن ممن إذا جهل شيئا عاداه . ولو رزق العبد تضلعا من كتاب الله وسنة رسوله ، وفهما تاما في النصوص ولوازمها - : لاستغني بذلك عن كل كلام سواه ، ولاستنبط جميع العلوم الصحيحة منه . فمدار العلوم كلها على معرفة الله وأمره وخلقه . وذلك مسلم إلى الرسل صلوات الله عليهم وسلامه : فهم أعلم الخلق بالله وأمره وخلقه ، وحكمته في خلقه وأمره . وطب أتباعهم أصح وأنفع من طب غيرهم . وطب أتباع خاتمهم وسيدهم وإمامهم - : محمد بن عبد الله ، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم . - أكمل الطب وأصحه وأنفعه . ولا يعرف هذا إلا من عرف طب الناس سواهم وطبهم ، ثم قارن ( 1 ) بينهما . فحينئذ : يظهر له التفاوت . وهم أصح الأمم عقولا وفطرا ، وأعظمهم علما ، وأقربهم في كل شئ إلى الحق . لانهم خيرة الله في الأمم ، كما رسولهم خيرته من الرسل . والعلم الذي وهبهم إياه ، والحلم والحكمة - أمر لا يدانيهم فيه غيرهم . وقد روى الإمام أحمد في مسنده - من حديث بهز بن حكيم ، عن أبيه عن جده رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنتم توفون ( 2 ) سبعين أمة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله " . فظهر أثر كرامتها على الله سبحانه : في علومهم وعقولهم ، وأحلامهم وفطرهم . وهم الذين عرضت عليهم علوم الأمم قبلهم وعقولهم ، وأعمالهم ودرجاتهم - فازدادوا بذلك علما وحلما وعقولا ، إلى ما أفاض الله سبحانه ( وتعالى ) ( 3 ) عليهم : من علمه وحلمه . ولذلك كانت الطبيعة الدموية لهم ، والصفراوية لليهود ، والبلغمية للنصارى .ولذلك غلب على النصارى : البلادة وقلة الفهم والفطنة ، وغلب على اليهود : الحزن ( والهم ) والغم والصغار ، وغلب على المسلمين : العقل والشجاعة ، والفهم ( والنجدة ) ، والفرح ( والسرور ) . وهذه أسرار وحقائق إنما يعرف مقدارها : من حسن فهمه ، ولطف ذهنه ، وغزر علمه ، وعرف ما عند الناس . وبالله التوفيق .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
هوية الكتب
الكتاب | المؤلف | جزء | الوفاة | المجموعة | تحقيق | الطبعة | سنة الطبع | المطبعة | الناشر | ردمك | ملاحظات
الطب النبوي|ابن القيم الجوزي||751|طب|تقديم ومراجعة وتصحيح وإشراف : عبد الغني عبد الخالق / التعاليق الطبية : الدكتور عادل الأزهري / تخريج الأحاديث : محمود فرج العقدة||||دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان||
تم . . . . . . . . . . .