كل يوم أذهب لأتكبد العناء
اذهب إلى مدرسة مغيمة
مديرها لا يشبه الأخذ و لا العطاء
أركانها أبوابها عمالها أشواكها نوع من التوابل في أسواقنا السوداء
دق الجرس.... دخلنا أقسامنا بلا اصطفاف ولا نظام نلبس مآزر سوداء وقبعات كلها سواد في سواد
في قسمنا تلامذة لا أشبههم ولا هم لهم علاقة بشكلي ولا بقبعتي السوداء ... نادى المعلم فيهم يا أبناء اليوم لنا درس معا في مادة الإنشاء، فاكتبوا على أوراقكم ،أزراركم، أقلامكم ،أو الجدار و الأقسام أو الفناء
ماذا تفعلون عند
عودتكم إلى البيت في المساء
بجانب ولد قال العب الكرة
وخلفي دمية صغيرة كفلة قالت أصنع عروسة تلبس ورودها البيضاء
وفي مقدمة الصف جميلة قالت سأكون حلاقة في رواقنا لزواري من النساء
غافلت معلمي ، وتنقلت بين الصفوف لأرى ما كتبت كل واحدة في قسمنا ،فوجدت منهن الطباخة والخياطة والمنظفة في الشوارع والجارية المبتاعة في الأروقة السوداء
التفت للوراء ... قنبلة موقوتة قد تقلب الأرض اوتزلزل السماء لان معلمي الكريم ضبط في يدي مذكرة للقبظ على النساء لكنه حيرني لما تبسم
من قال لك يا سيدي أنني سأطير فرحا عندما يضبطني معلمي في جريمة حرب ومع ذلك يبتسم؟
قال لي:مكانك،فالغش في الامتحان من شيمة النساء،والنار لا تدخل إلا من النساء،والعار والمغول والتتار كلهم يحطون منكن حين تكبرن وتصرن نساء
لكن يا صغيرتي أين ما كتبته في مادة الإنشاء؟
أعطيته محفظتي فتشها فاخرج في البداية مسامير ومطرقة...ودمية جميلة من عنقها معلقة،سماعة طبيب....محراث ارض وخمسة ألاف ومئتي مدرعة
ثم فتش في جهة أخرى من المحفظة،فوجد آلة الخياطة والثلاجة والغسالة وصابون الغسيل والخواتم المرصعة
...ثم في جهة أخرى من المحفظة،فوجد أشعار وخطب وألواح زيتية وشواطئ من الياقوت والحدائق المعلقة
وبحث في جيب مئزري،فوجد احدهما ممزق والآخر به ورقة كتبت عليها كيفية الاستعمال....
-استعمال؟ استعمال ماذا؟؟؟
-قلت له:يا معلمي أنا قبل زائد ما لا نهاية فولت من الحياة كنت احلم بان أكون أم الحسنين في قصور كربلاء
كنت احلم بان اصنع طائرات تحمل ولدي في أعالي الكون في الفضاء
كنت أحب أن أكون طفلة بفطرتي وفي يدي قوة تجعلني الطبيب والأستاذ والمهندس والشرطي وفي المحكمة سيدة القضاء
كنت أحب أن أقرا كل كتب الأنبياء وكل مغامرات الأشقياء...........ثم سكت..........
قال المعلم:وماذا بعد؟
-ماذا بعد؟....فكرت في انقلاب....
-ماذا؟
-نعم فكرت في انقلاب وفي حرب عالمية،لأخبر العالم كيف تكون الحرب حين تصنعها النساء....وفي التعايش السلمي وكيف تنمو له أشجار ويكون له ديكور خاص حين ترسمه على ألواحها الزيتية النساء
-وماذا بعد؟
-بعدها فكرت أن اسحب الحرب من شعرها الطويل....وان أعذبها للتعرف العويل وان احكم عليها بالإعدام والعناء والشقاء
فكرت في أن اصنع من عجينة الخبز حدائق الورود،ومن حبال الغسيل سيمفونية وعود.........
-وماذا بعد؟
نظرت إليه فوجدت أن شعره قد بدا في المشيب،وان الشمس من نافذة القسم قد بدأت تغيب
-قلت له:إن الوقت قد انتهى فدعني يا سيدي أداعب الشفق قبل أن يرحل مع الغروب
حملت محفظتي،وسرت في طريق تلبدت سماؤه
بدأت الأمطار تسقط ،فوحدها السماء تدرك حزني ووحدها تصبحني مشاركة البكاء
وصلت للمحطة ...توقف القطار،لكنني سمعت النداء
لما التفت وجدت شيخا كبيرا منحنيا إلى عصاه،قال مهلا يا ابنتي...كان معلمي يريد كراسة الإنشاء
-قلت له:يا معلمي هاهي الورقة الثانية،كتبت فيها :عند الصفر احلم أن أكون هتلرة النساء،وان اصنع منهن حركة ألفية وجنسية شينية واحضن كل ما له علاقة بالنساء
لم أجد المعلم..لم أجد العجوز،فالتفت إلى الخلف فوجدت قبرا مكتوبا عليه:هذا قبر معلم مسكين،ترك رسالة مكتوب عليها:يا بنيتي عند العام زائد ما لا نهاية تميزا من الانجاز وعندما يأتي المساء،تذكري وصيتي أن تكوني وردة عظيمة،أصلها ثابت على الثريا،وفرعها في الأعلى في أعالي السماء
.........خطوت خطوة.................خطوتين.......اشتريت جريدة عنوانها الإنشاء،تاريخها زائد ما لا نهاية تميزا من الانجاز،وفي الساحة الكبيرة من المدينة مهرجان جديد للسنة الجديدة،والشمس تحولت إلى ساعة في كبد السماء
...........دق جرس الشمس،الآن فقط ها قد حل المساء
عدت إلى المقبرة في المحطة احمل ورودا..........وقفت عند القبر وسالت ربي أن يرحم برحمته الواسعة معلم الإنشاء
اختك زهرائية