يثير السلوك الغربي والدولي تجاه الأزمة في ليبيا الكثير من الريبة والشكوك حول طبيعة هذا السلوك وأهدافه ومواقيته، والطريقة التي يجري بها التعبير عنه من عواصم مختلفة، تمهيداً لتحقيق أهداف نهائية تنتهز وتستغل الظرف الأمني والسياسي للدولة الليبية لتحقيق مآرب وغايات قديمة ـ جديدة، فبدل أن تبادر الأمم المتحدة على سبيل المثال، أو حتى الدول الغربية، إلى تقديم أفكار إيجابية تسهم في حل الأزمة وتوقف النزيف الدموي، وبدل أن تتواصل مع جامعة الدول العربية على سبيل المثال أيضاً أو مع دول عربية أخرى أو مع الاتحاد الافريقي لصياغة حلول متصورة أو ممكنة، ذهب الأوروبيون والأميركيون إلى الحدود القصوى في التهيئة للتدخل العسكري الذي يفضي إلى سقوط ليبيا في قبضة الاحتلال الغربي.
وبينما تحاول بعض الدول الغربية بشكل جدي تهيئة المناخ الدولي والرأي العام للمراحل القادمة مما يعد له من خطة تحرك عسكري واستخدام قوات التدخل المختلفة الأسماء والأنواع بذرائع مقبولة من الرأي العام بسبب طبيعتها الإنسانية، فإن هذه الذرائع ستبقى تحمل ماهيتها التي يريد الغرب أن يفسر بها فيما بعد أسباب بقائه على الأرض الليبية وأسباب إدارته اللاحقة للشؤون الليبية وللمؤسسات المالية والاقتصادية والنفطية للدولة الليبية، ولذلك يمكن القول: إن ثمّة مشروعاً غربياً متكاملاً بات يستهدف ليبيا ويهيّئ أدواته ويعد وسائله وينشر استخباراته وعناصره على أرض الدولة الليبية، كما أكدت بعض الأخبار التي تتناقلها الوكالات المختلفة عن ضبط بريطانيين وهولنديين ومن دول أخرى في أكثر من مكان في المحافظات الليبية، بما يشي بالاحتمالات الممكنة التي قد تؤول إليها الأوضاع هناك.
لا شك في أن مطالب الجماهير محقة وضرورية وطبيعية إلا أن على الجميع في ليبيا دون استثناء الانتباه إلى ضرورة عدم منح الفرصة وعدم توفير المناخ الملائم الذي يسمح بتوريط ليبيا في محنة من نوع جديد أكثر خطراً وكارثية على الوطن والإنسان والثروات،
وبمعنى آخر فإن على الليبيين وعي المرحلة برؤية شاملة وعميقة تستهدف عدم الاستقواء بالخارج، وحقن الدماء، واللجوء إلى الحوار الذي يضع أمامه هدفاً رئيسياً سامياً عنوانه وحدة الأراضي الليبية وأمن ليبيا وسلامة شعبها وحماية مقدراتها.
لعلّه من المفيد القول في ظل الذي يحدث في ليبيا: إن كل شيء معرّض للاحتلال الغربي المباشر بغض النظر إذا ما تم بقرار دولي أو أطلسي فالنتيجة واحدة، والهموم الغربية غير معنية أبداً بالمواطن الليبي أو بكرامته أو ظروف عيشه، يعنيهم أولاً وأخيراً أمن سواحلهم وأرضهم وأمن حياتهم وتدفق النفط والغاز إلى منتجعاتهم ومنازلهم، يعنيهم مستقبلهم لا مستقبل ليبيا..
وتحقيق متطلباتهم لا متطلبات الشعب الليبي.
التدخل الأميركي أو الغربي عسكرياً في ليبيا لن ينتج إلا الفوضى التي أنتجها في كل مكان حل فيه، والتي يصعب تنظيمها لاحقاً أو تقويض مفاعيلها، فلتعمل الأمة العربية على حماية ليبيا الدولة الواحدة والشعب الواحد