رسالة إلى العالم الآخر
ولدي علي...
لقد كنت املا وحلما يراودني وفجأة استحلت إلى سراب، وهشيما تذروه
الرياح احترقت فيه كل أوراقي...
وتحطمت على صخرة اليأس كل آمالي، حين غرز القدر خنجره في قلبي،
واغتالتك يد الغدر والعدوان...
فقتلت الفرحة في قلبي، واختطفت البسمة من شفتي، فصيرتني
كأعجاز نخل خاوية...
لقد حملتك تسعة في أحشائي،
وضممتك بين جناحي،
وقاسمتك شرابي وطعامي،
وكنت أرقب فيك ليالي وأيامي،
أتطلع إلى بزوغ فجر أحلامي،
حتى وضعتك وليداً تلتحف جسدي،
وتتوسد زندي،
وأضمك إلى صدري،
أناغيك وتناغيني:
أضاحكك وتضاحكني، أراقصك وتراقصني،
أجوع لتشبع...
وأضمأ لتروى...
وأسهر لتنام...
حتى اشتد عودك...
وتفتحت على غصنك اليانع زهرة شبابك ففتحت بها كل آمالي.
وكم كنت أتمنى أن أزفك إلى عروس عمرك أمل كل أم في حياتها.
وما كنت أحسب أن الأيام جد قاسية إلى درجة لم ترحم أمومتي فيك حين
اختطفتك مني،
وفاجأتني بفاجعتها في يوم الاثنين الأسود،
فاجعة يقصر لساني عن وصفها،
وتعجز الكلمات عن تصويرها، حين رأيتك ترقص كالطير المذبوح على
أنغام الشهادة.
وأنا أصرخ بملء فيي ولدي علي... ابني علي... بأي ذنب قتلوك.
حتى صرت لا أصدق أن ما جرى قد جرى،
وأتمنى أن ما رأيته خيال لا حقيقة.
سكرى من هول المصيبة،
حتى صرت لا أشعر بمن حولي،
حتى إذا ما ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، لم أرَ إلا باك وباكية
وناع وناعية،
فواحدة تضمني إليها،،،
وأخرى تمسح دمعة بيدها وأنا أصرخ أريد ولدي، آتوني بولدي.
حتى شيعتك برموش عيني إلى حفرتك،
وجلست ألثم ترابك الطاهر وأناديك سامحني يا ولدي.
أما أنت يا ولدي فقد استرحت من هم الدنيا وغمها وتركت أمك لهمها
وغمها.
فرجعت والحسرة تملأ قلبي، والآهات تنغص حياتي، أقف أنتظر
رجوعك لي ومررت بدارك أقبل ذا الجدار وذا الجدار، وأنا أحدث نفس
نفسي، ألا لا تزين الدار إلا بأهلها.
ولكن عزائي فيك أنك بعين الله حي عنده ترزق كباقي إخوانك الشهداء
وتركت أعداءك للخزي والعار تلاحقهم لعنة الدهر.
فسلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً.
أم الشهيد علي مشيمع