احكام محرفة وبدع مستحدثة :
لقد روى القوم أحاديث كثيرة تدل على أن كثيرا من أحكام الدين قد غيرت وبدلت ، وكثيرا من البدع قد استحدثت ، وهذه الأحكام والبدع قد بقيت إلى يومنا هذا ، يعمل الناس بها ، ويتعبدون على طبقها .
وبما أن تلكم الأحاديث كثيرة جدا ، وسردها كلها يستلزم الإطالة ، وضياع المهم الذي نريد بيانه ، فإنا سنذكر بعض الموارد التي وقع فيها ذلك ، وسنذكر من الأحاديث ما يكون صحيحا عندهم ، وهذه الروايات نقسمها إلى طوائف :
الطائفة الأولى : دلت على حلية نكاح المتعة , وأن تحريمها وقع بعد زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
منها : ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عطاء قال : قدم جابر بن عبد الله معتمرا ، فجئناه في منزله ، فسأله القوم عن أشياء ، ثم ذكروا المتعة ، فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر .
-
ومنها : ما أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث ( 1 ) .
إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة في هذه المسألة ( 2 ) .
وقد ذكر تحريم عمر للمتعة السيوطي في تاريخ الخلفاء ( 3 ) ، وأبو هلال العسكري في كتاب الأوائل ( 4 ) وغيرهما .
الطائفة الثانية : دلت على أن بعضهم حرم متعة الحج مع أنها كانت ثابتة في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم : منها : ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين قال : أنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها حتى مات ، قال رجل برأيه ما شاء ( 5 ) .
ومنها : ما أخرجه البخاري في صحيحه والنسائي في سننه عن مروان بن الحكم قال : شهدت عثمان وعليا رضي الله عنهما ، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما ، فلما رأى علي أهل بهما لبيك بعمرة وحجة ، قال : ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد ( 6 ) .
وفي رواية أخرى : فقال علي : ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله النبي
صلى الله عليه وسلم ؟ ! ( 1 ) .
ومنها : ما أخرجه النسائي في سننه عن ابن عباس قال : سمعت عمر يقول : والله إني لأنهاكم عن المتعة ، وإنها لفي كتاب الله ، ولقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني العمرة في الحج ( 2 ) .
ومنها : ما أخرجه النسائي في سننه عن طاووس أنه قال في حديث : يقول ابن عباس : هذا معاوية ينهى الناس عن المتعة وقد تمتع النبي صلى الله عليه وسلم ( 3 ) .
ومنها : ما أخرجه الترمذي عن ابن عباس قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان ، وأول من نهى عنها معاوية ( 4 ) . والأحاديث في هذه المسألة كثيرة لا تحصى .
الطائفة الثالثة :دلت على أن التطليقات الثلاث بصيغة واحدة كانت تعد واحدة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت ثلاثا:
منها : ما أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن عباس ، قال : كان الطلاق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة . فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم . فأمضاه عليهم ( 5 ) .
ومنها : ما أخرجه مسلم في صحيحه ، والنسائي وأبو داود في
سننهما أن أبا الصهباء قال لابن عباس : أتعلم أنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وثلاثا من أمارة عمر ؟ فقال ابن عباس : نعم ( 1 ) .
وفي رواية أخرى عند مسلم قال ابن عباس : قد كان ذلك ، فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق ، فأجازه عليهم .
* هامش *
(1) صحيح مسلم 2 / 1099 الطلاق ، باب طلاق الثلاث . سنن أبي داود 2 / 261 . وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2 / 415 . سنن النسائي بشرح السيوطي 6 / 145 ، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2 / 718 ، وإرواء الغليل 7 / 122 . ( * )