غسل الميت والصلاة عليه
إعلم يرحمك الله أن تجهيز الميت فرض واجب على الحي ، عودوا مرضاكم وشيعوا جنازة موتاكم ، فإنها من خصال الإيمان ، وسنة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم ، تؤجرون على ذلك ثوابا عظيما فإذا حضر ( أحدكم الموت ) فاحضروا عنده بالقرآن ، وذكر الله ، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله . وغسل الميت مثل غسل الحي من الجنابة ، إلا أن غسل الحي مرة واحدة بتلك الصفات ، وغسل الميت ثلاث مرات على تلك الصفات ، تبتدئ بغسل اليدين إلى نصف المرفقين ثلاثا ثلاثا ثم الفرج ثلاثا ثم الرأس ثلاثا ، ثم الجانب الأيمن ثلاثا ثم الجانب الأيسر ثلاثا ، بالماء والسدر . ثم تغسله مرة أخرى بالماء والكافور على هذه الصفة ، ثم بالماء القراح مرة ثالثة ، فيكون الغسل ثلاث مرات ، كل مرة خمسة عشر صبة . ولا تقطع الماء إذا ابتدأت بالجانبين من الرأس إلى القدمين ، فإن كان الإناء يكبر عن ذلك وكان الماء قليلا ، صببت في الأول مرة واحدة على اليدين ، ومرة على الفرج ، ومرة على الرأس ، ومرة على الجنب الأيمن ، ومرة على الجنب الأيسر ، بإفاضة لا يقطع الماء من أول الجانبين إلى القدمين ، ثم عملت ذلك في سائر الغسل ، فيكون غسل كل مرة واحدة على ما وصفناه . ويكون الغاسل على يديه خرقة ، ويغسل الميت من وراء ثوب أو يستر عورته بخرقة . فإذا فرغت من غسله حنطه بثلاثة عشر درهما وثلث درهم كافورا تجعل في المفاصل ، ولا تقرب السمع والبصر ، وتجعل في موضع سجوده . وأدنى ما يجزيه من الكافور مثقال ونصف . ثم يكفن بثلاث قطع وخمس وسبع ، فأما الثلاثة : مئزر وعمامة ولفافة ، والخمس : مئزر وقميص وعمامة ولفافتان . وروي أنه لا يقرب الميت من الطيب شيئا ولا البخور ، إلا الكافور ، فإن سبيله سبيل المحرم . وروي إطلاق المسك فوق الكفن وعلى الجنازة لأن في ذلك تكرمة للملائكة ، فما من مؤمن يقبض روحه إلا تحضر عنده الملائكة . وروي أن الكافور يجعل في فمه وفي مسامعه وبصره ورأسه ولحيته وكذلك المسك وعلى صدره وفرجه . وقال ( العالم عليه السلام ) : الرجل والمرأة سواء ، وقال العالم عليه السلام : غير أني أكره أن يجمر وتبع بالمجمرة ، ولكن يجمر الكفن . وقال العالم عليه السلام : تؤخذ خرقة فيشدها على مقعدته ورجليه ، قلت : الإزار ، قال العالم عليه السلام : إنها لا تعد شيئا ، وإنما أمر بها لكي لا يظهر منه شئ . وذكر العالم عليه السلام أن ما جعل من القطن أفضل . وقال العالم عليه السلام : يكفن بثلاثة أثواب : لفافة ، وقميص ، وإزار . وذكر العالم عليه السلام أن عليا عليه السلام غسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قميصه وكفنه في ثلاث أثواب : ثوبين صحاريين وثوب حبرة يمنية . ولحد له أبو طلحة ، ثم خرج أبو طلحة ودخل علي عليه السلام القبر ، فبسط يده فوضع النبي صلى الله عليه وآله فأدخله اللحد . وقال العالم عليه السلام : إن عليا عليه السلام لما أن غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفرغ من غسله ، نظر في عينه فرأى فيها شيئا ، فانكب عليه فأدخل لسانه فمسح ما كان فيها ، فقال : " بأبي وأمي يا رسول الله ( صلى الله عليك ) طبت حيا وطبت ميتا " . قال العالم عليه السلام : وكتب أبي في وصيته : أن أكفنه في ثلاث أثواب : أحدها رداء له حبرة وكان يصلي فيه يوم الجمعة ، وثوب آخر ، وقميص ، فقلت لأبي : لم تكتب هذا ؟ فقال : إني أخاف أن يغلبك الناس ، يقولون : كفنه بأربعة أثواب أو خمسة ، فلا تقبل قولهم . وعصبته بعد بعمامة ، وليس تعد العمامة من الكفن ، إنما تعد مما يلف به الجسد ، وشققنا له القبر شقا من أجل أنه كان رجلا بدينا وأمرني أن أجعل ارتفاع قبره أربعة أصابع مفرجات . وقال العالم عليه السلام : تتوضأ إذا أدخلت القبر الميت ، واغتسل إذا غسلته ولا تغتسل إذا حملته . وإذا أردت أن تصلي على الميت فكبر عليه خمس تكبيرات يقوم الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة ، يرفع اليد بالتكبير الأول ، ويقنت بين كل تكبيرتين ، والقنوت ذكر الله ، والشهادتين ، والصلاة على محمد وآله ، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات ، هذا في تكبيرة بغير رفع اليدين ولا تسليم ، لأن الصلاة على الميت إنما هو دعاء وتسبيح واستغفار . وصاحب الميت لا يرفع الجنازة ولا يحثو التراب ، ويستحب له أن يمشي حافيا حاسرا مكشوف الرأس . وروي أنه يعمل صاحب كل مصيبة فيها على مقدارها في نفسه ، ومقدار مصيبته في الناس . ويصلي عليه أولى الناس به ، فإذا وضعته عند القبر وجعلت رأس الميت مما يلي الرجلين ، وينتظر هنيهة ثم يسل سلا رفيقا فيوضع في لحده ، ويكشف وجهه ويلصق خده الأرض ، ويلصق أنفه بحائط القبر ، ويضع يده اليمنى على أذنه . وروي يضع فمه على أذنه الذي يدفنه ويذكر ما يجب أن يذكر من الشهادتين ، ويتبعه بالدعاء ، ويجعل معه في أكفانه شيئا من طين القبر وتربة الحسين ابن علي عليهما السلام . ويغتسل الغاسل ، ويتوضأ الدافن إذا خرج من القبر وتقول في التكبيرة الأولى ( في الصلاة : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، الحمد الله رب العالمين رب الموت والحياة ، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته ، وجزى الله محمدا عنا خير الجزاء ، بما صنع لأمته ، وما بلغ من رسالات ربه ، ثم يقول : اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، ناصيته بيدك ، تخلى من الدنيا واحتاج إلى ما عندك ، نزل بك وأنت خير منزول به ، وافتقر إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه . اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا ، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه ( وتقبل منه ) وإن كان مسيئا فاغفر له ذنبه وارحمه ، وتجاوز عنه برحمتك ، ألحقه بنبيك ، وثبته بالقول الثابت في الدنيا والآخرة ، اللهم أسلك بنا وبه سبيل الهدى ، واهدنا وإياه صراطك المستقيم اللهم عفوك عفوك . ثم تكبر الثانية ، وتقول مثل ما قلت ، حتى تفرغ من خمس تكبيرات . وقال العالم عليه السلام : ليس فيها التسليم . فإذا أتيت به القبر فسله من قبل رأسه ، فإذا وضعته في القبر فأقرأ آية الكرسي وقل : بسم الله ، وفي سبيل الله ، وعلى ملة رسول الله ، اللهم افسح له في قبره ، وألحقه بنبيه صلى الله عليه وآله . وقل كما قلت في الصلاة مرة واحدة ، واستغفر له ما استطعت . قال العالم عليه السلام : وكان علي بن الحسين عليه السلام ، إذا أدخل الميت القبر ، قام على قبره ثم قال : اللهم جاف الأرض عن ( جنبيه ، وأصعد ) عمله ، ولقه منك رضوانا . وعن أبيه ، قال : إذا مات المحرم ، فليغسل وليكفن كما يغسل الحلال ، غير أنه لا يقرب الطيب ، ولا يحنط ويغطى وجهه ، والمرأة تكفن بثلاثة أثواب : درع ، وخمار ، ولفافة ، تدرج فيها وحنوط الرجل والمرأة سواء . وعن أبيه عليه السلام : أنه كان يصلي على الجنازة بعد العصر ، ما كانوا في وقت الصلاة حتى تصفار الشمس ، فإذا اصفارت لم يصل عليها ( حتى تغرب ) . › وقال العالم عليه السلام : لا بأس بالصلاة على الجنازة حين تغيب الشمس و حين تطلع ، إنما هو استغفار .
25 - باب آخر في الصلاة على الميت قال عليه السلام : تكبر ، ثم تصلي على النبي وأهل بيته ، ثم تقول : اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، لا أعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به ، اللهم إن كان محسنا ( فزد في إحسانه وتقبل منه وإن كان مسيئا فاغفر له ذنبه ) وافسح له في قبره ، واجعله من رفقاء محمد صلى الله عليه وآله . ثم تكبر الثانية وتقول : اللهم إن كان زاكيا فزكه ، وإن كان خاطئا فاغفر له . ثم تكبر الثالثة وتقول : اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده . ثم تكبر الرابعة وتقول : اللهم اكتبه عندك في عليين ، وأخلف على أهله في الغابرين ، واجعله من رفقاء محمد صلى الله عليه وآله . ثم تكبر الخامسة وتنصرف . وإذا كان ناصبا فقل : اللهم إنا لا نعلم إلا أنه عدو لك ولرسولك ، اللهم فاحش جوفه نارا ، وقبره نارا ، وعجله إلى النار ، فإنه كان يتولى أعداءك ، ويعادي أولياءك ، ويبغض أهل بيت نبيك ، اللهم ضيق عليه قبره . فإذا رفع فقل : اللهم لا ترفعه ولا تزكه . وإذا كان مستضعفا فقل : اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم . وإذا لم تدر ما حاله فقل : اللهم إن كان يحب الخير وأهله ، فاغفر له وارحمه و تجاوز عنه . وإذا ماتت المرأة وليس معها ذو محرم ولا نساء ، تدفن كما هي في ثيابها ، وإذا مات الرجل وليس معه ذو محرم ولا رجال ، يدفن كما هو ( في ثيابه ) . ونروي أن علي بن الحسين عليهما السلام لما أن مات ، قال أبو جعفر عليه السلام : " لقد كنت أكره أن أنظر إلى عورتك في حياتك ، فما أنا بالذي أنظر إليها بعد موتك " . فأدخل يده وغسل جسده ، ثم دعا أم ولد له فأدخلت يدها وغسلت عورته ، وكذلك فعلت أنا بأبي . قال جعفر عليه السلام : " صلى علي على سهل بن حنيف وكان بدريا فكبر خمس تكبيرات ، ثم مشى ساعة فوضعه ، ثم كبر عليه خمسا أخرى ، فصنع ذلك حتى كبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة " . وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله ، أوصى إلى علي عليه السلام : ألا يغسلني غيرك . فقال علي عليه السلام : يا رسول الله من يناولني الماء ؟ وإنك رجل ثقيل لا أستطيع أن أقلبك ، فقال : جبرائيل معك يعاونك ، ويناولك الفضل الماء ، وقل له فليغط عينيه ، فإنه لا يرى أحد عورتي غيرك إلا انفقأت عيناه . قال عليه السلام : كان الفضل يناوله الماء ، وجبرائيل يعاونه ، وعلي عليه السلام يغسله . فلما أن فرغ من غسله وكفنه ، أتاه العباس فقال : يا علي ، إن الناس قد اجتمعوا على أن يدفنواالنبي صلى الله عليه وآله في بقيع المصلى ، وأن يؤمهم رجل منهم . فخرج علي عليه السلام إلى الناس فقال : يا أيها الناس ، أما تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله إمامنا حيا وميتا ؟ وهل تعلمون أنه صلى الله عليه وآله لعن من جعل القبور مصلى ؟ ولعن من يجعل مع الله إلها ؟ ولعن من كسر رباعيته ، وشق لثته ؟ فقالوا : الأمر إليك فاصنع ما رأيت ، قال وإني أدفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في البقعة التي قبض فيها . ثم قام على الباب فصلى عليه ثم أمر الناس عشرة عشرة يصلون عليه ثم يخرجون " . قال العالم عليه السلام : أول من جعل له النعش فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها