[ الحجر الاسود ]
تحكيمه في أمر الحجر الأسود وكان الله تعالى قد صانه وحماه من صغره ، وطهره وبرأه من دنس الجاهلية ومن كل عيب ، ومنحه كل خلق جميل ، حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين ، لما شاهدوا من طهارته وصدق حديثه وأمانته ، بحيث أنه لما بنيت الكعبة بعد هدم قريش لها في سنة خمس وثلاثين ، وقيل : سنة خمس وعشرين من عمره صلى الله عليه وسلم وذلك قبل المبعث بخمس عشرة سنة وبعد الفجار بخمس عشرة سنة - ووصلوا إلى موضع الحجر الأسود ، اشتجروا فيمن يضع الحجر موضعه ، ( فأرادت ( 2 ) ) كل قبيلة رفعه إلى موضعه ، واستعدوا للقتال وتحالفوا على الموت ، ومكثوا على ذلك أربع ليال . فأشار عليهم أبو أمية ( 3 ) حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم - وهو أسن قريش يومئذ - أن يجعلوا بينهم حكما أول من يدخل من باب المسجد ، فكان أول من دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوه قالوا : هذا الأمين قد رضينا به ، وأخبروه الخبر ، فقال : ( هلموا ( 4 ) ) لي ثوبا ، فأتي بثوب - يقال إنه كساء أبيض من متاع الشام كان له صلى الله عليه وسلم - فأخذ الحجر الأسود فوضعه فيه بيده ثم قال : لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ، ففعلوا حتى بلغوا به موضعه فوضعه صلى الله عليه وسلم بيده ثم بني عليه . ويقال : كان الثوب الذي وضع فيه الحجر للوليد بن المغيرة . أول ما بدئ به من النبوة ولما أراد الله رحمة العباد ، وكرامته صلى الله عليه وسلم بإرساله إلى العالمين ، كان أولا يرى ‹ ويعاين من آثار فضل الله أشياء : فشق في صغره بطنه واستخرج ما في قلبه من الغل والدنس ، فكان يعاين الأمر معاينة ثم كان لا يمر بحجر ولا شجر إلا سلم عليه فقال : السلام عليك يا رسول الله . فكان يلتفت يمينا ويسارا فلا يرى أحدا ( 1 ) . وكانت الأمم تتحدث بمبعثه وتخبر علماء كل أمة قومها بذلك . ثم كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ( 2 ) . فكان أول شئ رآه من النبوة في المنام بطنه طهر وغسل ثم أعيد كما كان .