خرج رسول الله - صلى الله عليه وآله - إلى غزاة تبوك وخلف علي بن أبي طالب - عليه السلام - على أهله، وأمره بالاقامة فيهم، فأرجف المنافقون وقالوا: ما خلفه إلا استقلالا به، فلما سمع ذلك أخذ سلاحه وخرج إلى النبي - صلى الله عليه وآله - وهو نازل بالحرق، فقال: يا رسول الله زعم المنافقون انك إنما خلفتني استقلالا بي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: كذبوا، ولكني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدى، فرجع إلى المدينة، ومضى رسول الله - صلى الله عليه وآله - لسفره. قال: وكان من أمر الجيش انه انكسر وانهزم الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وآله -، فنزل جبرائيل، وقال: يا نبي الله إن الله يقرئك السلام، ويبشرك
بالنصرة، ويخبرك إن شئت أنزلت الملائكة يقاتلون، وإن شئت عليا فادعه يأتيك، فاختار النبي - صلى الله عليه وآله - عليا، فقال جبرائيل: در وجهك نحو المدينة وناد: يا أبا الغيث ادركني، يا علي أدركني، ادركني يا علي. قال سلمان الفارسي: وكنت مع من تخلف مع علي - عليه السلام - فخرج ذات يوم يريد الحديقة، فمضيت معه، فصعد النخلة ينزل كربا، فهو ينثر وأنا أجمع، إذ سمعته يقول: لبيك لبيك ها أنا جئتك، ونزل والحزن طاهر عليه ودمعه ينحدر، فقلت: ما شأنك يا أبا الحسن ؟ قال: يا سلمان، إن جيش رسول الله - صلى الله عليه وآله - قد انكسر، وهو يدعوني ويستغيث بي، ثم مضى فدخل منزل فاطمة - عليها السلام - وأخبرها وخرج، قال: يا سلمان، ضع قدمك موضع قدمي لا تخرم منه شيئا. قال سلمان: فاتبعته حذو النعل بالنعل سبع عشرة خطوة، ثم عاينت الجيشين والجيوش والعساكر، فصرخ الامام صرخة لهب لها الجيشان، وتفرقوا ونزل جبرائيل إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله - وسلم، فرد عليه السلام، واستبشر به، ثم عطف الامام على الشجعان، فانهزم الجمع، وولوا الدبر ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال بعلي أمير المؤمنين وسطوته وهمته وعلاه وأبان الله عزوجل من معجزة في هذا الموطن بما عجز عنه جميع الامة، وكشف من فضله الباهر، وإتيانه من المدينة شرفها الله في سبعة عشر خطوة، وسماعه نداء النبي - صلى الله عليه وآله - على بعد المسافة، وتلبيته من أعظم المعجزات، وأدل الآيات على عدم النظير له في الامة. (1)